الشيخ: قسول جلول الحديث رواه ابن ماجه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لم تظهرالفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.وهذا الحديث ذكر فيه الابتلاء بالطاعون وبالأمراض التي لم تعرف سابقا إذا انتشرت الفواحش ولا يلزم أن تكون تلك الأمراض من نوع الطاعون بل قد تظهر أمراض لم تكن معروفة سابقا كما يدل له قوله: والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا التخلف العقلي والفكري ومرض التوحد والإعاقات المختلفة ...الخ فهذه الأمراض لم تكن معروفة في السابق وهي لا تخفى على عاقل. إن انتشار هذه الفواحش سبب في وقوع العقوبة من الله على هذه المجتمعات وما نتج عنه من الأمراض الخبيثة التي لم تكن من قبل. والتي يذكرها الأطباء والتي استعصى علاج الكثيرمن هذه الأمراض والتي من أسبابها والعياذ بالله اقترافُ هذه الفواحش والمحرمات والعكوف على فعلها. ينبغي حمل الحديث على الحقيقة واعتبار الأمراض الشائعة الآن من أنواع الأوجاع التي ذكرت في الحديث. قد يكون الزواج بالقريبات سببا رئيسيا في ظهور عدة أمراض في مقدمتها الإعاقة الذهنية والتخلف العقلي وهناك بعض الأمراض التي يمكن إجراء تحاليل لها قبل الزواج ويقولوا الأطباء أن حدوث زواج بين الأقارب قد يكون له آثار سيئة إذا كانت هناك أمراض وراثية تتناقل في العائلة نعود إلى الحديث الذي أخرجه ابن ماجة في السنن ولفظه: (تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم) والحديث إسناده لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك لفظ (العرق دساس) خرجه الديلمي وكلها أحاديث لا يقوم لها سند ولا يحتج بها . والمعنى المقصود هنا أن يطلب الإنسان أصحاب الدين فلا يزوج بناته إلا منهم وكذلك فلا يتزوج إلا منهنَّ وكذلك هو لا يتزوج إلا صاحبات الدين ويختار من الناس أصحاب الدين والمروءة لمصاهرتهم والمقصود أن أصح أقوال الأئمة في معنى كفاءة الزوج هو ما تحقق فيه شرطان اثنان: فالشرط الأول هو الاستقامة في الدين ومعناه أن يكون الخاطب مسلماً عدلاً غير فاسق والشرط الثاني: السلامة من العيوب القادحة في البدن وهي التي ترجع إلى الأمور العضوية كالبرص والجنون ونحوها من الأمراض المنفرة والمقصود أنه إذا اجتمعت الصفات في المرأة الصالحة بحيث كانت صاحبة دين وخلق وضمت إلى ذلك النسب الطيب فهذا أمر حسن وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتخير إذ قال تخيروا لنطفكم والتخير في عصرنا الحاضر أساسه الاستشارة الوراثية فلا يوجد إطلاقا نص صحيح ينهى عن زواج الأقارب وحديث غربوا النكاح لا يصح الإستدلال به وقد تزوج النبي من ابنة عمته زينب والآية القرآن صريحة:قال تعالى _يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا_سورة الأحزاب الآية 50 وبينت سورة النساء المحرمات حصرا _حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)الآية 24سورة النساء فما عدا ذلك من الأقارب فهو جائز قطعا وهذا لا يمنع أن يفضل التقليل من زواج الأقارب حفظا على اتساع العلاقات والمصاهرة وخشية أن تترسخ بعض الصفات الوراثية السلبية فيكون من باب التفضيل وليس من باب التحريم. فزواج الأقارب لم يرد النهي في الشرع عنه ولا الأمر به وإنما ترك الأمر للإباحة حتى تدرس كل حالة على حدتها فربما كان الأنسب أن يتزوج الرجل من قريبته فربما كانت هناك اعتبارات اجتماعية ترجح الزواج مع القرابة وربما كان الزواج من الأقارب يفضي إلى قطع الرحم أو زيادة المشاحنات بين الأقارب كما يتغير الحكم من الإباحة إلى الكراهة أو إلى ما هو أشد منها إن كان هناك سبب يحول الإباحة إلى غيرها من ثبوت الضرر الصحي أو التفكك الأسري أو عدم الاستقرار الاجتماعي بين أسر الأقارب والأرحام. يقول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى : _ وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك _ الآية هذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى فأباح بنت العم والعمة وبنت الخال والخالة وتحريم ما فرطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت وهذا شنيع فظيع وإنما قال _ وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ... فزواج الأقارب لم يرد به نهي صريح في الإسلام ولا حث عليه فهو متروك لاختيار الناس ما هو أنسب لهم ولعل هذا النهج يؤكد ما توصل إليه الطب الحديث في هذا الموضوع وهو أن زواج الأقارب ليس ضارا على طول الخط فقد يكون نافعا في حالة ارتفاع نسبة الذكاء والجمال والقوة في العائلة وبالتي فالقول بأن زواج الأقارب كله ضرر مع كون الإسلام أباحه كلام تعوزه الصحة العلمية. ولعل من المناسب إيراد رأي الأطباء في هذه المسألة يقولون _ بأن زواج الأقارب قد يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية مثل زيادة نسبة ظهور الأمراض الوراثية في الذرية الناتجة من العوامل الوراثية من كلا الأبوين وزيادة مضطردة في ظهور الأمراض والإعاقات المختلفة ومرض التوحد لما نشاهده في المجتمع. نخرج من هذا بنتيجة هامة وهي أن زواج الأقارب لابد من إجراء التحاليل الطبية من أجل الوقاية. قد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صفات يختار الرجل زوجته من الصالحات الأكفاء فعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم) وعلى كل فالزواج من الأقارب مباح في الأصل على أن تراعى الظروف الاجتماعية والصحية في كل حالة من الحالات دون القياس على أخرى مع القيام بالكشف الطبي وفحوص الزواج قبل إتمامه