الشيخ: قسول جلول من يقول للمترشحين أنها أمانة ويوم القيامة خزي وندامة كما قالها سي الخلق وحبيب الحق لأبي ذري الغفاري لما أراد المسؤولية ؟ فئة من الناس لا تريد الترشح للرئاسة وفي علمي المتواضع أن الأئمة والعلماء لم يسبق لهم الترشح كأحرار رغم دورهم ومكانتهم في المجتمع ؟ لماذا؟ لأنهم يعرفون قيمة الأمانة وثقل المسؤولية ولعل هذا هو الأرجح وفي غمرة الترشيحات ننادي بأعلى صوت يا أمة ضحكت من مترشحيها الأمم فإلى كل من يتسابق إلى استخراج استمارات الترشح للرئاسيات من العساس إلى الأمي إلى الأبله إلى التافه إلى البطال إلى صاحب المليارات إلى تاجر الذهب مع احتراماتي للجميع فمشهدهم يذكرنا بتسابق الدببة على التزحلق في موسم التهريج الجليدي أي اللعب من اجل الظهور الموسمي غابت المرجعية في المسؤولية ليظهر كل من هب و دب يطالب بالرئاسة العبثية جعلتهم يقارنون أنفسهم برجال أثبتوا بطولاتهم ومواقفهم ومسؤولياتهم في القيادة والتسيير ولا أحد قدم مشروعا على الأقل مثل المترشح رابح بن شريف كان له مشروع إقامة بحر في الصحراء .. فمن يقول لهؤلاء أنها أمانة ؟ كما قالها النبي صل الله عليه وسلم لأبي ذري الغفاري لما أراد المسؤولية وأنها أمانة ثقيلة على الإنسان أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني -يعني ألا تجعلني والياً أو أميراً أو رئيسا لك على إحدى المدن-؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)) وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذ قضى حديثه قال: أين-أراه- السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله قال: (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة . والأمانة ثقيلة على الإنسان فلا ينبغي التطلع إلى المسؤولية والحكم إلا لمن كان وجوده مهماً في ذلك المنصب. فقد أمر الله تبارك وتعالى بتأدية الأمانة إلى أهلها وحث على ذلك فقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}النساء: 58 والأمانة من أبرز أخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام فقد أخبرنا الله في سورة الشعراء أن نوحاً وهوداً وصالحاً ولوطًا وشعيبًا قال كل واحد منهم لقومه: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107] وقالها موسى لفرعون وقومه كما في قوله تعالى: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [الدخان:18 وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم في قومه مشهورًا بالأمين وقد كان الناس يفضلونه ويختارونه لحفظ ودائعهم عنده. فالحفاظ على الأمانة ورعايتها وصيانتها صفة من صفات عباد الله المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} المؤمنون:8 وفي المقابل تعد الخيانة وضياع الأمانة دليل على ضعف الإيمان أو عدمه فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له رواه الإمام أحمد والبيهقي وهو حديث صحيح). بل تضييع الأمانة علامة النفاق لما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وفي رواية: وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم كما أن ضياع الأمانة علامة من علامات الساعة الصغرى وذلك بأن يسند الأمر والشأن إلى غير أهله قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]: والأمانة تعم جميع وظائف المجتمع وعليه فإن كل أمر وكل إلى الإنسان القيام به شرعاً أو عرفًا أو عادة فقد وجب عليه القيام به فهي قوله تعالى عن يوسف عليه السلام عندما طلب التولي على أموال الدولة فقال للعزيز: _ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ _ ذو خبرة ومعرفة وتمرس في إدارة العمل الذي يُسند إليه وهذه .الصفة والخصلة تشترط في جميع من تسند إليهم المناصب والوظائف إلا أنها في جانب المال أكبر إلحاحاً فيجب فيمن يسند إليه الجوانب المالية أن يكون من هذا الصنف وهذا الطراز. فنحن في هذه الأيام كلٌ يتشوفُ ويشرئبُ بعنقه ويريد أن يغتنمَ ويقتسمَ الغنيمة ويُرضي أتباعه وأنصاره فإذا بهم يأتون بالمتردية والنطيحة وما أكل السبع .! أيها الساعون والمسرعون أننا في بلدنا الجزائر نستلهم سلوكنا من القرآن الكريم والسنة النبوية عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا:لِمَنْ؟ قَال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) هذا الحديث عظيم الشأن عليه مدار الإسلام كلّه النصيحة كلمة جامعةٌ مانعة تبين أن الإنسان يجب عليه أن يعرف قدر نفسه ومقدوراته واستطاعته فإذا عرف الإنسان قدر نفسه عرف منزلته بين الناس ونَزَّلَ نفسه منزلتها فتواضع لخلق الله لله عز وجل ومن تواضع لله رفعه الله . عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (أنزلوا الناس منازلهم) رواه أبو داود ومن الحكمة وضع الأشياء مواضعها والله تعالى حكيم في خلقه وتقديره وحكيم في شرعه وأمره ونهيه وقد أمر عباده بالحكمة ومراعاتها في كل شيء وإذ أمرنا أن ننزل الناس منازلهم وذلك في جميع المعاملات وكذلك من تنزيل الناس منازلهم: أن تجعل الوظائف الدينية والدنيوية والممتزجة منهما للأكفاء المتميزين ومشاورة أهل الحل والعقد في تولية نم يصلح لها ممن جميع بين القوة والشجاعة والحلم ومعرفة السياسة الداخلية والخارجية ومن له القوة الكافية لتنفيذ العدل وإيصال الحقوق إلى أهلها وردع الظلمة والمجرمين وغير ذلك مما يدخل في الولاية. واختار لها الأعلم بالواقع الأفضل في دينه وعقله وصفاته الحميدة.والقوة والشجاعة والرأي والنصح والمعرفة وما يتبع ذلك مما تتوقف عليه هذه الوظيفة المهمة التي هي من أهم الوظائف وأخطرها فإنها داخلة في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] وهذه الولايات من أعظم الأمانات فيتعين أن تؤدى إلى أهلها وأن يترشح لها أهل الكفاءة بها. فرحم الله امرءً عرف قدر نفسه وعاش على قدره وحاسب نفسه وانتصح وعاد إلى رشده .