بقلم: لطفي العبيدي اعتقد كثيرون أن إسرائيل بعد اتفاقيات السلام مع مصر قدمت تنازلات مهمة بأن اعترفت بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في حين هي استمرت في انكار أي حق في تقرير المصير للفلسطينيين واستغلت مبادلة السلام بالأرض التي مكنت إسحاق رابين من تحطيم الجبهة العربية وعزلها والنجاح في إبرام اتفاقيتي سلام منفصلتين الأولى مع منظمة التحرير الفلسطينية والثانية مع الأردن وهكذا وفي غضون خمسة عشر عاما تتم معاهدتي سلام بين إسرائيل ودولتين عربيتين إلى جانب اتفاقية أوسلو المهادنة لمنظمة التحرير وكانت الصيغة التي وضعها الرئيس السوري حافظ الأسد انسحابا كاملا مقابل سلام كامل قابلة لأن تُحدث اتفاقية سلام أخرى مع الكيان الصهيوني لو لم يساوم رابين على مرتفعات الجولان ويتعمد مماطلة الطرف السوري الذي أصر أيضا على وجوب تحقيق تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي. وفي مثل هذه السياقات التاريخية التي ادعت أمريكا أنها تقوم فيها بدور الوسيط في حل الصراع في الشرق الأوسط كانت في الوقت نفسه تعطي إسرائيل مساعدات عسكرية سخية وتدعمها اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا بلا حدود وهي ممارسات شجعت تل أبيب لكيلا تستجيب لأي تنازلات إلا في حالات نادرة جدا وتحت ضغوط مكثفة. التدخل الخارجي في الشرق الأوسط يتم منذ فترة مبكرة من التاريخ السياسي المعاصر وهو الأكثر اختراقا ضمن سياسات العلاقات الدولية ومصير دول المنطقة يتحدد بواسطة قرارات الآخرين ومخططاتهم التي تبحث عن جني المصالح وتحقيق المكاسب والهيمنة ومنذ وضعت النهاية للمرحلة العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى بدأت أدوار بريطانيا وفرنسا بعد تقسيمهما تركة الرجل المريض وتم فرض نظم سياسية جديدة على المناطق التي استُعمرت ورُسمت لها الحدود التي أرادها المستعمر الذي اصطنع دولا جديدة وعين حكاما على طريقته. وبعد موجة الاستقلال المتتابعة لم تتغير الحدود بل على العكس حُوربت فكرة القومية والوحدة العربية ودخلنا مرحلة القطرية التي وجدت القوى الجديدة من خلالها الفرص الكثيرة في ممارسة النفوذ من نوع جديد وهي تحديدا الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفييتي سابقا. وإن كانت أمريكا قد فشلت من منظور الإسرائيليين أنفسهم في وضع استراتيجية متناسقة للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط هذه المنطقة القابلة للاشتعال في أي لحظة ومعظم أخطاء الولاياتالمتحدة لما يفوق نصف قرن يمكن ارجاعها إلى اتباعها منهج العالمية في التعامل مع واقع الشرق الأوسط الذي كانت تراه من زاوية خطر التمدد السوفييتي وكذلك خيار إسرائيل أولا . ولم تُجانب الكاتب الإسرائيلي آفي شاليم الحكمة حين أكد على أنه منذ انتهاء الحرب الباردة أواخر التسعينيات ومع بداية الألفية كان هناك دافع قوي لنبذ المنظور العالمي لصالح منهج إقليمي أكثر بنائية يهدف لحل مشاكل المنطقة. فيجب أن لا يكون اتخاذ إسرائيل كشريك استراتيجي لأمريكا في حرب خاسرة ضد تهديد إسلامي خيالي وبالقدر نفسه هناك حاجة ملحة إلى التخلي عن خيار إسرائيل أولا الذي اتبعه أغلب الرؤساء الأمريكيين خاصة ريغان وكلينتون لصالح منهج أكثر توازنا يمكن أن يكون سبيلا إلى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي بعيدا عن الحلول الفردية التي ذهب فيها الملك حسين ومن قبله أنور السادات وهي الخطوات التي خلّفت انهيار الجبهة العربية الموحدة التي كان بالإمكان ابقاؤها متماسكة. وضمن خطوات السيطرة والنفوذ ومخططات التقسيم ومقولات الشرق الأوسط الجديد نجحت الولاياتالمتحدة في استخدام وسطاء إقليميين في حرب بالوكالة شُحِذت فيها الطائفية واستُغِل العامل الثقافي والعرقي والمذهبي في خلق التفرقة والاقتتال ضمن مشروع الفوضى الخلاقة الذي بُشرت به شعوب المنطقة على لسان المحافظين الجدد منذ غزو العراق وهي مسارات مغايرة للقوة العسكرية المباشرة التي كانت لها تكلفة بشرية ومعنوية ومادية كبيرة وبذلك وجدت الولاياتالمتحدة التغيير عن بُعد الوسيلة الأقل تكلفة وإن كان هناك من يُمول كل التحركات العسكرية والاستراتيجية على اختلاف أنواعها ويكفيه اعتزازا أن يبقى ضمن قائمة الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدةالأمريكية رغم حجم ما يُنفقه لتغطية العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط وحوض المتوسط وجلها مسارات تخدم إسرائيل وتهدم الأمة العربية ومشروعها الوحدوي المأمول وتفتت كياناتها وتعمق الهوة والتفرقة في ما بينها.