بقلم: رياض معسعس* بالأمس عدت لأشاهد مجددا الفيلم اليوغسلافي قابلت غجرا سعداء للمخرج ألكسندر بيتروفيتش والذي يعرض حياة الغجر في يوغسلافيا السابقة عبر قصة حب لبائع ريش إوز انتهت بجريمة. هذا الفيلم جعلني أطرح على نفسي سؤالا: هل قابل أحدنا عربا سعداء أيضا؟ لقد تعودنا أن نطلق صفات على بعض البلدان العربية كتونس الخضراء أو اليمن السعيد ولا نعرف إذا كانت هذه التسمية لليمن محقة فهل كان ولا يزال سعيدا؟ ولماذا؟ وكيف؟ لقد زرت اليمن أكثر من مرة وبحثت عن سعادته في صعدة وعدن وصنعاء وكوكبان وأبين...ولا يمكنني أن أردد راكضا صارخا: وجدتها وجدتها خاصة منذ أن بدأت طائرات وآليات التحالف تدكها دكا ليلا نهارا ولم تترك فيها حجرا يحتضن آخر والمنظمات الإنسانية تحذر بكرة وأصيلا من مجاعة لا يعادلها سوى مجاعة الصومال. مع أن نية التحالف المعلنة عند تدخله هي القضاء على الإرهابيين وإعادة السعادة إلى يمنها ولتزدهر جنات عدن من جديد. واليوم مع إدارة أمريكية جديدة هناك توجه بعدم بيع الأسلحة للتحالف وكذلك الحكومة الإيطالية بهدف إنهاء الحرب والمآسي في اليمن أما عودة السعادة إلى يمنها فتلك مسألة أخرى. *مهرجان الطين هرب السوريون لا يلوون على شيء بعد أن ركبهم الهلع وعلاهم الفزع والرعب من دلف النظام الذي أمطرهم ببراميله المتفجرة وقنابله الكيميائية بأمر من رئيسه الذي يحبهم جماً جماً. فوقعوا تحت ميزاب الطبيعة كالهارب من الرمضاء للنار. في كل شتاء منذ سنوات عشر لم ترحم السماء الغضوب العبوس خيام اللاجئين والنازحين. مياه الأمطار والثلوج تحول المخيمات إلى مستنقعات والخيام إلى خيام عائمة رأيت نساء يصرخن: واعرباه واغرباه وا أمم متحداه وإنساناه ولا حياة لمن ينادين وتتلاشى أصواتهن حتى دون صدى وأرجلهن في الماء حتى الركب. الأطفال أمام المأساة صنعوا زوارق من ورق وضعوها على صفحة الماء بين خيمتين في سباق زوارق ورقية تدفعها الريح تمخر من ضفة إلى أخرى وفي بعض الأماكن تدخل الزوارق الخيام نفسها متخطية خط السباق وكأنها تمخر بحر الظلمات. هؤلاء الأطفال الذين يعيشون على هامش الطفولة وحرموا من التعليم والعيش الكريم صنعوا من المأساة ملهاة وكأنهم يسخرون من القدر. حتى أن بعض مخيمات الشمال السوري قامت بتنظيم مهرجانات الطين للفت انتباه العالم إليهم لكن أحدا لم يلتفت فالعالم احتله كوفيد وازدادت معاناتهم مع ازدياد الطين بلة. *هل حلت السعادة في ليبيا؟ ذات يوم كنت أتسكع على كورنيش العاصمة الليبية طرابلس بين السراي الحمراء وميدان الغزالة وكنت على موعد للقاء صحافي مع العقيد معمر القذافي بمناسبة مرور أربعين سنة على ثورة الفاتح توقفت عند لافتة من اللافتات المنتشرة في كل مكان تمجد الثورة وقائد مسيرتها تقول: أينما حللت حلت السعادة تحت صورة القذافي فقلت: ظفرنا والله بصيد مفيد وهذا سؤال أكيد لسيادة العقيد: هل تعتقد يا سيادة العقيد أن السعادة حلت بالشعب الليبي بعد أربعين سنة من الفاتح؟ (بعد الإشارة إلى اللافتة بالطبع). نظر إلي مطولا ثم إلى سقف المكان وقال متهكما: أنا لست مثلك أتسكع في الشوارع حتى أرى ما يكتبون ولو لم يكونوا سعداء لما كتبوا ذلك . لكن الواقع كان شيئا مغايرا فبعد سنة تقريبا زرت طرابلس مرة أخرى للقاء نجل العقيد وكانت طرابلس تحت عصف وقصف شديدين من قبل طائرات فرنسية وتحالف دولي والحرب كانت ضروسا بين الجيش الليبي والثائرين على النظام فسألت سيف الإسلام: كيف للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يشن عليكم الحرب وبالأمس فرش لوالدك السجادة الحمراء أمام قصر الإليزيه؟ كان الجواب بوصف ساركوزي بالمهرج واتهامه بقبض أموال من والده لتمويل حملته الانتخابية فقامت الدنيا ولم تقعد في فرنسا على الرئيس الذي نفى ذلك في كل محاكماته. لكن تبين أن الزعماء العرب ربما يستخدمون اموال الشعوب لشراء ولاءات رؤساء دول عظمى كما حصل مع دونالد ترامب الذي حمل معه من أموال عربية قدمت له ما تنوء به العصبة. ومهما يكن من أمر فالحرب الليبية-الليبية الضروس وبعد سنوات من هذا اللقاء أحرقت الأخضر واليابس وقتلت الزعيم ونصف أنجاله وحولت ليبيا إلى يباب ولا أحد فيها يمكنه القول إنه سعيد. في الواقع اليوم وحسب الحاجيات الملحة والأزمات التي تعيشها دول العالم العربي لا بد من استحداث وزارات تتماشى معها: وزارة التطبيع وزارة الفساد وزارة التعاسة وزارة اللاجئين والنازحين (فسوريا مثلا التي بات نصف شعبها لاجئا والنصف الأخر نازحا في بلده وكذلك اليمن والعراق وليبيا لا توجد وزارة لهم ويتم تجاهلهم وكأنهم من شعوب بلاد الواق واق). يقول أوسكار وايلد: البعض بسبب السعادة في مكان ما يذهبون إليه والبعض الآخر في كل مكان يرحلون عنه . ويقول عباس محمود العقاد: أعطني بيتا سعيدا وخذ وطنا سعيدا .