مدخل لعالم الأنيميشين للأطفال: تنبؤات باستحواذ صيني قريب على السوق بقلم: عبد الكريم أنيس يذهب الناقد السينمائي أمير العمري للقول إن السينما الصينية التي يطلق عليها لقب العملاق الأصفر قد تم إعادة إحيائها والاحتفاء بها منذ مطلع التسعينيات في القرن المنصرم إثر حصول أفلام صينية على جوائز دولية خارج الصين من مثيل فيلم التواصل مع التنين وفيلم لست مدام بوفاري مع تكرار الاحتفاء بتواجدها في مهرجانات سينمائية من مثيل مهرجان فينسيا وسان سباستيان وكذا كونها ضيف الشرف في إحدى دورات مهرجان القاهرة وتحديداً في مهرجان القاهرة بدورته ال38. ويسجل لنا أول حضور لعروض سينمائية في الصين في عام 1896 بعد عام فقط من عرض الأخوين الفرنسيين لوميير لعشرة عروض سينمائية مدة كل منها حوالي 46 ثانية والتي ستستولي على اهتمام الناس وتسحرهم وتكون خزاناً ثقافياً ومعرفياً وفنياً لشعوب العالم فيما بعد. يقول العمري إن أول فيلم سينمائي أنتج في الصين عام 1905 وكان فيلماً تسجيلياً. أما أول فيلم روائي درامي صيني فقد ظهر عام 1912. *الجيل الخامس يضع العمري تاريخ 1982 عاماً فارقاً في تاريخ السينما الصينية ويعتقد ذلك كون خريجي معهد السينما لذاك العام الملقبين ب الجيل الخامس كانوا أول من تخرج في مرحلة ما بعد الثورة الثقافية الصينية وتخلص من أعباء الخطاب الدعائي القديم وأسس لموجة أفلام جديدة متحررة من عالم هوليوود الرأسمالي الغربي وموسفيلم الشيوعي السوفييتي وتحمل في طياتها القضايا الاجتماعية الصينية دون تجميل أو إملاء أو تكلف. إن أفلاماً من مثيل الواحد والثمانية الأرض الصفراء ومخرجين من مثيل تشين كايغي وهوانغ تسياصن وجانغ زيمنغ كانت بمثابة دماء حارة جديدة تم صبها في نسغ حياة الشاشة الفضية في الصين وذلك ما جعلها حرة في فضاء متسع وشاسع الأبعاد في بقعة جغرافية هائلة الاتساع وتشكل نسبة سدس السكان في العالم بأسره كانت موصدة الأبواب عن العالم الخارجي وتحتفظ برونقها الداخلي المصبوغ بسحر الشرق وغموضه. في سياق متصل أدلى المخرج الصيني الشاب وانغ وي في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال عام 2013 أنه يتوقع بحلول عام 2020 تجاوز السوق الأمريكية بحجم الأفلام المتحركة للأطفال خصوصاً بعد نمو ملحوظ في السوق الصينية بنسبة وصلت ل30 بالمئة في عام 2013 عن فئة الأفلام المتحركة. ووصف المنتج المحلي البصري آنذاك بأنه ضعيف من حيث جودة المحتوى ولهذا قرر أن يعلن عن إشهار مؤسسته الجديدة Light Chaser Animation Studios في الصين ومقرها في العاصمة بكين وتوقع أن يكون الانتشار في المستقبل القريب لصالح الصين لوجود سوق نامية بشكل متسارع ولوجود نية بتحسين بيئة توزيع الأفلام وحقوق النشر والتأليف كأحد أهم الأسباب التي دعته لنقل نشاطه من أمريكا لبلده الأم الصين. وقد أعلنت شركة Light Chaser Animation Studios حتى الآن عن إنتاج ثلاثة أفلام متحركة كان آخرها فيلم cats and peachtopia القطط وعالم غابة الخوخ المثالي الذي صدر مؤخراً بتاريخ الخامس من نيسان الفائت لعام 2018. و يبدو أن نجاح هذا الفيلم المتوقع سيكون المدخل لتنفيذ المخطط الذي أعلنه فيما سبق المخرج الصيني الشاب وقد يؤسس للتوقع الذي ذهب إليه وانغ فالفيلم يأسرك ويجعلك تستمتع منذ اللحظة الأولى لمشاهدته وحتى نهايته عبر استخدام نص حواري بديع وسهل وأفكار تتسلل لعقلية الطفل بشكل سلس وسريع مع خصوصية مميزة احتفظ بها مخرج الفيلم لجهة هوية صانعي الفيلم حيث تدور أحداث الفيلم في مدينة صينية جبلية معقدة التضاريس هي مدينة Chongqing واستخدم في سبيل إيصال فكرة أكثر واقعية تقنيات النمذجة البرمجية لبناء المشهد بشكل مدهش بحيث يكاد يتطابق مع المشهد الطبيعي للواقع وقام القائمون على الفيلم باستحضار مكتبة رقمية للنباتات بغية بناء نظام نباتي معقد ومتنوع في الغابة لوجود مشاهد عديدة في الغابة الحلم. يمكن ملاحظة النقاء الكريستالي المرسوم لوجوه الشخصيات وذلك باعتماد وسائل تقنية من فئة CG الأكثر دقة في هذا المجال والتي أعطت للأنميشين صورة مذهلة من الصفاء والارتياح. يمكن وبكل سلاسة مشاهدة رسائل اجتماعية وأخلاقية عديدة تنطلق من هذا الكرتون الشرقي البالغ الاحترافية من مثيل الصداقة التي لا تموت بمرور الزمن والوفاء وما يترتب عليه من واجبات كحادثة استضافة قط الشارع واعتباره من العائلة والذي سيلعب دوراً محورياً في إنقاذ طفل صديقه في مرحلة لاحقة في المستقبل وكذلك يتجلى الوازع التربوي الكبير بالحنو الأبوي منقطع النظير على القط الأصغر الذي عاش يتيماً مع تركيز متقن على مظاهر الحزن والعاطفة الشديدين من الأب على صغيره في مقطع فقدان والدته ما اضطر الأب ليكذب بشأن وفاة الأم التي توفيت جراء حادث في يوم عاصف مشؤوم فتكون هذه الكذبة سبيلاً ليشق القط الصغير مستقبله ولا يركن لحياة اليسر والدعة والاستقرار في حضن سيدة تعشق القطط وتدللهم حدّ الإفساد. في مشهد مغادرة المنزل للمرة الأولى واختراق عالم المدينة المعقد بطريقة مبتكرة وساحرة على حد سواء كان لابد من تذييل المغامرة بالمرح وتطعيمها بحب الاكتشاف لدى القط الصغير ليذهب وراء حلمه حيث تعيش أمه التي هجرتهم حسب رواية والده الذي خاف عليه من تعريضه لآلام الفقد والحزن فعواطف التساؤل والحيرة والريبة أهون من تلك التي يقاسيها الكائن الحي جراء الحرمان من فقد عاطفة حنان الأمومة وهنا يتداخل وازعان: أحدهما لا أخلاقي وآخر واقعي الأول: هو المواجهة ومواجهة النتائج بعد إعلان الحقيقة والثاني: الكذب والمداراة والقفز للأمام بإخفاء الحقائق كحالة إعلان وفاة الأم علّ الغضب يزيح الحزن عما لا يليق بكائن صغير كالقط الصغير الجميل. يمكن للطفل إدراك هذه الرسالة حين يقارن ما في ذاكرة القط الأسود الكبير الذي سيساعد القطيط الصغير ويشاهد بعين ذاكرته كيف انقلب الفنان ليصبح تاجراً دون أدنى رحمة أو شفقة وبات قاسي القلب متجرداً من أي تعاطف مع حيوانات أخرى طالما أن هناك سوقاً لبيعها وزيادة في المبيعات وبالتالي قد نكون هنا في حضرة نقد للرأسمالية المتوحشة بعيون مشرقية شيوعية تختزنها ذاكرة الأطفال وما تلبث أن تعيد المدرسة استدعاء المفردة من الذاكرة المحفورة في اللاوعي لدى الطفل لتكوّن عنده دليلاً توضيحياً لصراعات قد يجهل أبعادها حتى مرحلة ما بعد النضوج وتفتّح الذهن في رحلة البحث عن الحقيقة والذات. يبدو أن نبوءة سحب البساط من عالم ديزني بكل إمكاناته السحرية والإبداعية قد بدأت بالانطلاق والتحليق بعد أن طالت فترة انفراده بعيداً بمركز الاهتمام عند الكبار والصغار وذلك حين بدأ عالم الإبداع الصيني يقدم لمسته وبصمته الشرقية ضمن برامج الأطفال ليخطف البريق الذي طالما رافق أفلام ديزني الخالدة بذاكرتنا منذ الطفولة والتي قد تستبدل في ذاكرة أطفالنا في مرحلة لاحقة بدءاً من سحر الرسومات والشخصيات الكرتونية وأحلامها وقيمها وكذا المؤثرات عالية التقنية المستخدمة وليس انتهاء بأغاني الأطفال اللطيفة التي تكاد تنافس الألبومات الأكثر مبيعاً في الأسواق المفتوحة والتي لا ريب تحتل مساحة مميزة في ذاكرة الأطفال لمراحل تتخطى سن الطفولة بل وربما تمكّنها باعتماد قيم تتحصل عليها بفضل الأفلام من تخطي عقبات في حياتها العملية في مراحل تالية ويبدو أن أطفالنا سيشهدون المزيد من التنافس والإبداع بين المدارس المختلفة التي ستثري عالم الأنيميشين وستتنافس في كيفية كسب الطفل وتشويقه وكذا سوقه الأكثر رواجاً واستقراراً في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء.