-الجزء الخامس والخمسون- بقلم: الطيب بن ابراهيم *لكم دينكم ولي دينِ قد تكون هذه الآية أنسب عنوان لهذه الحلقة حيث نقارن فيها بين موقف الارساليين ومستشرقيهم ورغبتهم في الاطلاع على الإسلام ودراسته ومعرفة كل شيء عنه وذلك لحاجة في نفس يعقوب وعلى عكس ذلك عدم وجود أي رغبة لدى سكان مدينة الأبيض المسلمين لمعرفة المسيحية ولو لمجرد الفضول حسب تعبير رئيس الإرسالية نفسه رغم أنه في نفس الوقت وفي نفس المكان يتناقض مع نفسه ويعترف أن السكان شابهم عدم الثقة والشك في النوايا الحقيقية لرجال الإرسالية؟!. يبدو أن رئيس الإرسالية المطلع على الإسلام والذي كانت تقف وراءه دولة بل دولتان بكل ثقلهما ومؤسساتهما هما فرنسا والفاتيكان تقفان وراء دراسته وتكوينه وثقافته الإسلامية إلى غاية نيله شهادة الدكتوراه من روما وما تلاها من تكوين ميداني في إيطالياوفرنسا وتونس والجزائر عند الآباء البيض كل ذلك ليس حبا في الإسلام ولكن حبا في تنصير المسلمين عكس ذلك كان سكان الأبيض البسطاء يصارعون قوت يومهم كباقي الجزائريين في ظل الاحتلال وإن وجدوا الوقت والجهد بعد لقمة العيش فالأولى لهم أن يتفقهوا في أمور دينهم وهو ضمن فقه أولوياتهم فهل لهم من الوقت والجهد والمال والمؤسسات ما يجعلهم يَطَّلِعون على الديانة المسيحية ولو لمجرد الفضول كما قال قس الإرسالية ؟ وهل المطلوب فعلا هو مجرد الفضول والاطلاع أم ذلك له ما بعده ؟ أليس خطر قليل السمّ ككثيره؟. ألم يقل الدكتور محمد جون عبد الجليل المغربي قبل رِدَّتِه أنه سجل كطالب في المعهد الكاثوليكي بباريس من أجل معرفة المسيحية والرد على النصارى لكنه خرج ولم يعد؟!. بقدر ما كان يستغرب سكان مدينة الأبيض من تصرف وسلوك رجال الإرسالية المقلد لبعض شعائر دينهم الإسلامي بقدر ذلك كان يستغرب رئيس الإرسالية من عدم شعور مسلمي الأبيض بأي فضول اتجاه ديانته أو أي ديانة أخرى حسب تعبيره رغم زخم المظاهر التي تظاهر بها الإرساليون ويرى الأب فوايوم أن موقف اللامبالاة هو موقف عام لكل مسلم حقيقي ويرى رئيس الإرسالية أن ذلك الموقف سلبي لأن القس في الحقيقة هنا هو يقارن نفسه بالسكان وكأن الأب فوايوم لا يعرف أن النوايا تختلف عند كل فريق! ويواصل رئيس الإرسالية استغرابه متسائلا : حتّى الإمام السي احمد الذي كان يُعَلِّمُه ( يعلم رئيس الإرسالية ) تعاليم الإسلام لم ير منه القس أدنى رغبة في معرفة المسيحية وعندما حاول رئيس الإرسالية الأب فوايوم في إحدى المناسبات أن يُقنِع الإمام السي احمد بقيمة وأهمية أي معرفة دينية إضافية يقول : تظاهر الإمام باللامبالاة وحرّف اتجاه الحديث إلى موضوع آخر ووجهة أخرى وكأن رئيس الإرسالية يريد أن يقول للإمام على الأقل بعد أن خاب ظنه في السكان وكما أن رئيس الإرسالية وزملاءه الارساليين يعرفون دينه الإسلام كما يعرفه هو أو أكثر فعلى الإمام هو الآخر أن يعْرِف ولو القليل عن الديانة المسيحية لكن ذلك الرفض وكأن حال السكان والإمام يقولون في ردهم على رئيس الإرسالية : لكم دينكم ولي دينِ أي لا شأن لنا بدينكم ولا شأن لكم بديننا خاصة أثناء ثنائية الصراع الذي قائما بين المستعمِر والمستَعمَر . هذا الموقف من السكان بعدم مبالاتهم بالدين المسيحي ولو على سبيل الفضول كما يقول رئيس الإرسالية دفع هذا الأخير إلى القول بأن : من الصعب بل من المستحيل على سكان مدينة الأبيض سيدي الشيخ فهمَ الدوافع التي دفعتنا إلى دراسة دينهم بجدية ويواصل القول : وهذا هو السبب في أن أهل الأبيض لم يستطيعوا أن يروا في جهودنا لمعرفة دينهم سوى بداية الطريق نحو الإسلام ؟. ليس هذا فقط بل المستشرق الأب أنطوان جياكوبتي الذي سبق أن أقام بالأبيض سيدي الشيخ سنتي 1898 - 1899 قبل تأسيس الإرسالية بأكثر من ثلاثين سنة وخَبِر السكان أكثر من رجال الإرسالية المتأخرين كان متشائما ولم يصل به طَمَعُه إلى درجة أن يصبح سكان مدينة الأبيض فضوليين لمعرفة المسيحية بل له رأي يختلف عن رئيس الإرسالية فهو يرى صراحة أن لا فائدة من مشروع إرسالية الأبيض ويواصل سخريته من جماعة الإرسالية وجهلهم لعقلية مسلمي الأبيض ويواصل القول : أن رجال الإرسالية كانوا يعتقدون بسبب جهلهم بعقلية المسلمين أن تجربة أذانهم تأتي بنتيجة. وبقدر سخرية المستشرق أنطوان جياكوبتي من تجربة زميله الأب فوايوم التنصيرية مع سكان الأبيض فهو لا يستغرب من عدم فضول مسلمي الأبيض في معرفة المسيحية لكنه يستغرب من إيمانهم العميق بدينهم الإسلامي وكيف أنهم ينسبون الفضل إليه في تعليم المسيحيين ويستغرب كيف يرى المسلمون أن القرآن كتاب إلهي ومنه تستمد الحقيقة التي لا يملكها المسيحيون؟!.