بقلم; خلدون الشيخ* عاشت بريطانيا ليلة مضطربة مساء الجمعة الماضي عندما تواجه منتخبا انكلترا واسكتلندا ضمن المجموعة الرابعة في كأس الامم الأوروبية في ما عرف بمباراة الدربي بين الجارين اللدودين المندرجين تحت مظلة المملكة المتحدة. كان عبق التاريخ يفوح من هذا اللقاء ليس لأنه الاول بين المنتخبين في بطولة كبرى منذ 25 سنة وتحديداً منذ نهائيات كأس أمم أوروبا 1996 لكن كونه اللقاء ال115 الذي يجمعهما والاول الذي ينتهي بالتعادل السلبي في ملعب ويمبلي العريق التابع للمنتخب الانكليزي والرابع في تاريخهما بعد 1872 و1970 و1987 علما انه كان اللقاء ال33 بينهما في ويمبلي . المثير في الأمر ان اللقاء بين المنتخبين في 1872 كان الأول في تاريخ المباريات الدولية والذي اعترف به الفيفا علما ان المنتخبين التقيا بين 1870 و1872 4 مرات قبل هذا اللقاء لكن كون هذه اللقاءات كانت تجمع بين لاعبين انكليز من منطقة واحدة كلندن واسكتلندييين من مدينة غلاسغو فقط لم يتم الاعتراف بها على أنه منتخب يمثل البلاد بأكملها ولهذا انتظر الجميع يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1872 كي يسجل التاريخ أول مباراة دولية رسمية. والمدهش أكثر ورغم ان تلك المباراة انتهت بالتعادل السلبي أي بدون تسجيل الفريقين أي هدف فان المنتخب الانكليزي لعب بخطة هجومية مخيفة 1-1-8 اي بمدافع واحد ولاعب وسط واحد و8 لاعبين بعقلية هجومية بحسب تقارير المؤرخين بل حتى ان المنتخب الاسكتلندي لعب بخطة هجومية مماثلة 2-2-6 ومع ذلك لم تهتز شباك المنتخبين خلال المباراة التي مورست في زمن بدائي من حيث التجهيزات والبنى التحتية لكن المؤرخين أكدوا حضور نحو 4 آلاف مشجع هذه المباراة. ورغم ان قلة تذكرت هذا الحدث التاريخي خلال مباراة المنتخبين ليلة الجمعة الا انه من المؤكد لم يتذكر أحد المنتخب المجري على أنه من الكبار او المؤثرين بل لكونه وقع في المجموعة السادسة او مجموعة الموت اعتبر كثيرون انه سيكون اللقمة السائغة لمنتخبات البرتغال حامل لقب البطولة وفرنسا بطل العالم وألمانيا أكثر المنتخبات فوزا بلقب البطولة إلى جانب المنتخب الاسباني (3 مرات) بل عجت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات ومنشورات مهينة وساخرة من المنتخب المجري علماً انه لو علم الساخرون ماضي هذا المنتخب لوضعوا حداً لتعليقاتهم الخالية من الاعتبار لتاريخ هذا المنتخب العريق. فالمنتخب المجري كان برازيل أوروبا و تيكي تاكا العالم القديم ومرعب المنتخبات ولن أقول الكبيرة لأنه هو كان كبيرهم قبل 60 و70 سنة. ومرت عليه مجموعة من أبرز نجوم كرة القدم على مر تاريخها بل كان لدى أجدادنا كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي لكن باسمي فيرينيك بوشكاش وساندرو كوسيتش فالأول سجل 84 هدفاً في 85 مباراة دولية مع المنتخب المجري بين عامي 1945 و1956 في حين تفوق الثاني عليه بتسجيله عدداً أقل لكن بنسبة أعلى اذ سجل 75 هدفاً في 68 مباراة بين 1948 و1956 ومعهما كانت نخبة من نجوم ذلك الزمن كلايوس تيشي وناندون هايدكوتي وجوزيف بوجيك والحارس الرائع غيولا غروسيتش ليشكلوا جيلاً ذهبياً مخيفاً وقبلهم كان هناك جيل ذهبي آخر فحل المنتخب المجري وصيفاً لبطل العالم في نسختي 1938 و1954 وفي كلتا المرتين خسر اللقب في ظروف غريبة ففي المرة الأولى في البطولة التي استضافتها فرنسا كان طريق المجر مفروشاً بالورود فهزمت اندونيسيا (شرق الانديز) 6/0 ثم سويسرا 2/0 فالسويد 5/1 لتلاقي ايطاليا في المباراة النهائية في ظل أجواء رعب بعدما انتشر خبر ان الزعيم الفاشي موسوليني أرسل تيليغراما إلى المنتخب الايطالي يقول فيه: حققوا الفوز أو ستموتون رغم نفي بعض اللاعبين ذلك الا أن المنتخب الايطالي استأسد في المباراة النهائية وفاز 4/2. وفي مونديال 1954 بوجود الجيل الذهبي بقيادة بوشكاش وكوسيتش فانه كان مرشحا فوق العادة لاحراز اللقب فانتصر 9/0 على كوريا الجنوبية بينها 5 أهداف لكوسيتش واثنان لبوشكاش ثم سحق ألمانيا الغربية (البطل لاحقاً) 8/3 بينها 4 أهداف لكوسيتش ثم هزم البرازيل وصيف بطل النسخة السابقة 4/2 في ربع النهائي ثم سحق حامل اللقب أوروغواي بالنتيجة ذاتها قبل ان يواجه ألمانيا الغربية في المباراة النهائية وبعدما تقدم بهدفين في أول 8 دقائق انهار كل شيء وخسر في النهاية 2/3 في ما عرفت بمعجزة بيرن حيث أقيمت المباراة في العاصمة السويسرية. هذا المنتخب المغمور أيضا أحرز المركزين الثالث والرابع في يورو 1964 و1972 و3 ميداليات ذهبية في أولمبياد 1952 و1964 و1968 بالاضافة إلى فضية 1972 أي أنه كان من عمالقة المنتخبات العالمية حتى وقت قريب. هذه هي دروس التاريخ التي يتعلمها عشاق كرة القدم الحقيقيون من بطولة كبيرة مثل كأس الأمم الاوروبية علماً ان المنتخبين الاسباني والفرنسي كانا مغمورين قبل 1998 بل المنتخب الانكليزي حتى اليوم وبعراقته لم يحرز سوى لقب مونديال 1966 والمنتخب البلجيكي ما زال يبحث عن لقبه الأول.