بقلم: نبيل السهلي* قربّت من الانتهاء من بحث طويل تحت عنوان (الهوية الوطنية والثقافية لفلسطين) وهو بطبيعة الحال عمل فردي وقد يؤسس لعمل موسوعي شامل ترعاه مراكز بحث فلسطينية بالاعتماد على طاقات بحثية شبابية متنوعة في جميع المجالات. كان الهدف من إتمام بحثي الخاص هو إلقاء الضوء على سير بعض الرموز والقامات الفلسطينية داخل فلسطين التاريخية وفي المهاجر القسرية القريبة والبعيدة وخاصة بين جيل الشباب والتي كان لنتاجاتها المختلفة دور بارز وهام في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال الأدب والفكر والفن والعلم والإعلام والرياضة وكل مجالات الحياة الفلسطينية الأخرى التي تشكل بمجملها الهوية الوطنية لمواجهة سياسة الطمس والتغييب التي تنتهجها إسرائيل وداعميها في الغرب الذي أنشأها في الخامس عشر من ماي 1948. *كفاءات فلسطينية أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية القسم الاول من الموسوعة الفلسطينية عام 1984 بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وتتألف الموسوعة من أربعة مجلدات مرتبة حسب الحروف الهجائية العربية. وقد تضمنت أسماء القرى والمدن والخرب والأنهار والجبال والوديان في فلسطين إضافة إلى شخصيات ورموز في ميادين الحياة المتعددة. وصدر القسم الثاني من الموسوعة عام 1990 واحتوى على ستة مجلدات وفهرست وتضمن دراسات متخصصة حول تاريخ وجغرافية فلسطين التاريخية وتاريخ الحضارة ودراسات عديدة حول القضية الفلسطينية. وقد ساهم العشرات من الباحثين العرب والفلسطينيين في إعدادها. مضى على إصدار الموسوعة الفلسطينية بقسميها أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وبالرغم من أهمية ما احتوته من معلومات ودراسات وقضايا مفصلية حول فلسطين القضية الوطن والشعب والهوية الوطنية إلا أن الضرورة تحتم القيام بعمل موسوعي جديد أكبر بكثير من بحثي الفردي بحيث يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية وحراك الشعب الفلسطيني ونشاطه في جميع ميادين الحياة. وفي هذا السياق يمكن الجزم بأنه يمكن الاستفادة من الخبرات والكفاءات الفلسطينية الشابة الكامنة لدى الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده في مجالات البحث العلمي والمكتبات لأنهم على دراية كبيرة وأقدر على التوثيق والفهرسة بشكل منهجي ومدروس. وقد تعزز ذلك ثورة المعلومات الحاصلة وتمكن الأجيال الفلسطينية الصاعدة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بتقنية ومعرفة كبيرة وهذا يسهل بطبيعة الحال التواصل واستحضار المعلومات وأرشفتها في وقت أقل وتكلفة مالية غير مرتفعة كما حصل خلال البحث والفهرسة وصولاً إلى إصدار الموسوعة الفلسطينية بجزأيها الأول والثاني خلال عامي 1984 و1990. *نتاجات شعب تحتم الضرورات البدء في عمل موسوعي فلسطيني شامل في وقت تعاني الهوية الوطنية الفلسطينية من محاولات الطمس والتغييب من قبل إسرائيل لفرض الرواية الصهيونية – الإسرائيلية لاحتلال فلسطين وتهويدها. ويجب أن تتضمن موسوعة الهوية الوطنية الشاملة فصولاً متعددة لنتاجات شرائح الشعب الفلسطيني وفي جميع أماكن تواجده والدالة على الهوية الوطنية والثقافية لفلسطين. كما يجب أن تتصدى الفصول عبر استحضار أكبر عدد من سير رموز وقامات فن العمارة والآثار في فلسطين وتطور المتاحف الفلسطينية والتوثيق وحرّاس التراث الشعبي الفلسطيني والرياضة الفلسطينية والترجمة واتجاهات تطور المكتبات وصناعة الطباعة والاستفادة من طاقات المؤرخين والجغرافيين الفلسطينيين فضلاً عن فصول تتراوح بين الإعلام والأدب والفكر والسينما والموسيقا والفن التشكيلي والمسرح والإبداع في جميع الميادين. وفي الجانب التقني البحثي الهادف إلى الوصول إلى موسوعة متكاملة للهوية الوطنية الفلسطينية لابد بداية من معرفة التوزع الجغرافي للشعب الفلسطيني بشكل كامل بالارقام والمسوح الإحصائية المباشرة والانطلاق بعد ذلك لاستحضار سير الطاقات البشرية الفلسطينية من كل تجمع وبكل المجالات. ويمكن أن تكون هناك عملية تشبيك وتعاون بين عدة مؤسسات فلسطينية وخاصة مع الجهاز الإحصائي في رام الله والسفارات الفلسطينية المنتشرة في جهات الأرض الاربع للوصول إلى الهدف المنشود. وقبل الانطلاق إلى العمل الموسوعي الشامل للهوية الوطنية الفلسطينية ينبغي حصر الأعمال البحثية الفردية السابقة التي تفيد العمل والتواصل مع معدي البحوث للاستفادة من تجربتهم وخبراتهم الخاصة بغرض ابتكار واعتماد منهجية للبحث قد تكون أكثر علمية ودقة للوصول إلى المعلومة وتوثيقها في سياق فصول العمل الموسوعي الشامل فالشعب الفلسطيني الذي دفع على مذبح الحرية 100 ألف شهيد ومليون أسير وآلاف الجرحى جدير بأن تنجز له موسوعة لهويته الوطنية المتجذرة وقد شكلها بنشاطه الدؤوب الذي لم ولن ينضب وساهم في صناعة الحضارة البشرية وتطورها وهو بذلك يؤكد مقولة الشاعر الراحل الحاضر محمود درويش على هذه الأرض ما يستحق الحياة نعم الشعب الفلسطيني.