في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء التسعون- بقلم: الطيب بن إبراهيم + تعليق الصورة هدم المنارة سنة 1971 *التمويه على مئذنة الكنيسة وقرار هدمها الاستقلال كان يعني نهاية ليل الاستعمار وظلامه الدامس وبؤسه ومآسيه من فقر وجهل وأمراض وأوبئة وتشريد وتمييز وطلوع شمس الحرية ونورها الساطع واتضاح الصورة فلم تعد الجزائر فرنسية ولا لغتها رسمية ولا إرساليتها خيرية ولم يعد الجزائريون أهالي فقراء خمَّاسين وأجراء عند السادة ولا المحتالون أمراء ومدراء تغيرت المواقع وتغيرت معها المواقف وتغير معها الأشخاص وتغيرت السياسات وتغير مسار التاريخ . كان على رئيس إرسالية الأبيض ميلاد عيسى وهو المعروف بذكائه الحاد وحيطته وحذره الزائدين وتجاربه مع الشدائد كان عليه أن يواكب الحدث منذ بدايته وأن يلبس له لباسه وأن يساير تحولاته وأن يستعمل دهاءه المعهود وحكمته وأن يسابق الزمن لأن السير يدل على المسير والكنيسة تدل على التنصير و المئذنة تدل على الاحتيال والتضليل. إذا كان من السهل تغيير الخطاب والأشخاص وتغيير السلوك والوظائف والأولويات والمسميات فالأمر يختلف فيما لا يغير ولا يحوّر فماذا تُغيِّر في مبنى الكنيسة وهي أكبر وأعلى قبّة تقع على أعلى تلة في مدخل مدينة الأبيض وهي أول مُستقبل للضيوف والزوار تقع منفردة بجلالها كمعلم ديني بعيد عن أي جوار بعيدة عن بقية توابعها من ممتلكات إرساليتها من غرف النوم والمطبخ وقاعة الضيافة وما تُغيِر بتوأمتها المئذنة الشامخة الملاصقة لها التي كان يوما ما في سنة 1934 يُسمع من أعلاها صوت القس روني فوايوم ينادي في أذانه ليلا : الصلاة خير من النوم؟! فلا يمكن إخفاؤها ولا يمكن إنكارها. بعد الاستقلال مباشرة فكّر ودبر رئيس الإرسالية ميلاد واتخذ القرار للتمويه على الكنيسة التي كانت بمفردها في مدخل المدينة مستقبلة للزوار لا ينافسها في ذلك أي مبنى والمباني التي تحيط بها اليوم كلها حديثة عهد حيث تم بيع ثلاثة عشر قطعة أرضية للسكان لتبنى بجوارها على الجهتين المواليتين للكنيسة في الشمال وفي الجنوب وأصبحت محاصرة في وسط مجموعة من المباني السكنية عكس ما كانت عليه قبل ذلك وتم تحديدا بيع الأراضي المجاورة للكنيسة كان عن قصد وتخطيط بل كان للإهداء أقرب منه للبيع للتشجيع على البناء والمهم أن تختف الكنيسة بين مباني السكان حتى لا تبق متربعة منفردة على مدخل المدينة تشدُّ لها الناظرين . *المئذنة أصبحت شاهد إثبات قبل الحديث عن كيفية وأسباب هدم المئذنة علينا أن نتذكر كيفية بنائها التي كانت تختلف عن كيفية بناء الكنيسة رغم بنائهما في وقت واحد فالكنيسة تم بناؤها بالحجارة الصلبة المختارة من أحد الجبال المجاورة للمدينة باستعمال مادة الجبس وتم اختيار بنائين مهرة إسبان جُلبوا لها من مدينتي البيض وسعيدة واستغرقت مدة بنائها أربعة أشهر أما المنارة فتم اتخاذ قرار بنائها مع بداية شهر سبتمبر سنة 1934م وبسرعة انطلقت أشغال بنائها بالطوب الترابي كما بُنيت بقية مباني فقراء المدينة وبناها بناؤون محليون من الأبيض وتم بناؤها في وقت قياسي كانت المدة شهرا واحدا فقط وهذا إن دلّ على شيء فيعني أن الكنيسة أصل ثابت تبنى بالحجارة الصلبة وببنائين مهرة من خارج المدينة لتبقى ما بقي التاريخ بينما المنارة فهي ليست أصلا ونية إزالتها والتخلص منها قائمة في أي وقت وهي جاهزة للهدم ما دامت طوبية المبنى ولا تكلف الكثير وهي ورقة مغالطة يمكن إخفاؤها في أي وقت. بعد الاستقلال اتضح أمر الدجال وطرح السؤال على مئذنة الاحتيال التي أصبحت لافتة للأنظار ليل نهار وشاهدة إثبات ناطقة على ما كان عليه الحال وعلى دَوْر الإرسالية التنصيري أصبحت مئذنة الكنيسة شاهدا مزعجا للجميع على فضائح فرنسا من أجل تنصير الشعب الجزائري وعامل إدانة وإحراج للإرسالية لا يطاق أصبح المبنى مثار جدل وتساؤل من كل زائر للأبيض ليكتشف الزائر لأول مرة كنيسة بمنارة فأصبحت الصورة محرجة ومزعجة لإخوة الإرسالية ورهبانها ورئيسها ميلاد عيسى وبدأ التفكير الجدي في كيفية التخلص من شاهد الإثبات هذا الذي لا يمكن إسكاته خاصة أن وقت الاحتلال قد ولى دون رجعة وأن الجزائر اليوم هي جزائر أخرى لذا اتُّخِذ قرار الحسم من قبل رئيس الإرسالية ميلاد عيسى للتخلص من هذا الدليل المادي الذي يدين ويثبت التهمة الموجهة للإرسالية. *ميلاد يأمر بهدم المئذنة قبل أن يكتمل العقد الأول من استقلال الجزائر اتخذ رئس الإرسالية القس ميلاد عيسى قرار إزالة المئذنة واختار للقيام بالمهمة الشخص القوي القادر على إتلافها وأوكلت له مهمة هدمها فكما كان وقت بنائها الطوبي قياسيا فيجب أن يكون وقت هدمها قياسيا للإسراع في إخفاء أداة الجريمة وهوما قام به بيار ماري Pierre-Marie الذي كُلِّف بعملية الهدم وأعطاه كل الصلاحيات ووفر له الأدوات وحرية التصرف خاصة أوقات قلة الحركة وكان عدد السكان يومها قليلا ومعظمهم كانوا لازالوا بدوا وخلال ثلاثة أيام في شتاء سنة 1971 تحولت المنارة المبنية من الطوب الهش السريع الهدم والانهيار إلى أثر بعد عين وبعد هدمها أشيع فيما بعد بين بعض السذج من السكان أن صاعقة رعدية هي التي أسقطتها والبعض الآخر ادعى أن الرئيس الراحل بومدين رحمه الله اكتشفها وطلب بهدمها ولا ندري كيف ولمصلحة من تم إشاعة ذلك؟ ومن كان وراءها؟! رغم أن هناك من السكان من شاهد عملية الهدم بأم عينيه.