تاريخ أسود شاهد على أبشع حرب 19 سنة على غزو العراق استذكر العراقيون هذا الأسبوع ذكرى الغزو الأمريكي لبلادهم عام 2003 الذي أطاح بنظام الرئيس الراحل صدام حسين واسترجعوا اللحظات الأولى لبدء الحرب وما عاشوه من أحداث. ق.د/وكالات في فجر 20 مارس من عام 2003 توالت الانفجارات في بغداد واستهدفت الغارات الجوية مقرات القيادات العراقية. وقتها أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن بداية حرب الحرية من أجل العراق وعبرت القوات البرية الأمريكية البريطانية -انطلاقا من الكويت- سياج ميناء أم قصر ومحاصرة الميناء من غربه وشماله وقطع طريقه المؤدية إلى البصرة وشبه جزيرة الفاو. واستقرت قوة بريطانية قبالة بلدة أبو الخصيب وقطعت جميع الطرق المؤدية إليها. وشكل هذا الغزو حدثا محوريا في منطقة الشرق الأوسط كانت ذريعته امتلاك العراق أسلحة دمار شامل مما أدى إلى إسقاط نظام صدام وخسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين وخسائر مادية للطرفين تقدر بتريليونات الدولارات وانزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته خلال 2006-2007. *الأهداف والتحضيرات يوم 4 سبتمبر 2002 قالت شبكة تلفزيون سي بي إس (CBS) الإخبارية الأمريكية إنها حصلت على وثائق تظهر أن قرار غزو العراق اتخذه وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد بعد ساعة من وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 على واشنطن ونيويورك. وأضافت الشبكة أن الوثائق تفيد بأن رامسفيلد خاطب معاونيه العسكريين قائلا فكروا فيما إذا كان مناسبا ضرب صدام حسين في الوقت نفسه وليس فقط أسامة بن لادن رغم أن كل التقارير الأمريكية ألقت باللوم في تلك الهجمات على تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن. وجاءت تسريبات الشبكة في وقت نقلت فيه الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الابن تركيزها من أفغانستان إلى العراق وكثفت جهودها لإقناع قادة الكونغرس والرأي العام الأمريكي والعالمي بخططها لغزوه إثر تصريحات لبوش اتهم فيها العراق بأنه حليف لتنظيم القاعدة قائلا ليس خيارا بالنسبة لنا ألا نفعل شيئا إزاء التهديد الخطير الذي يشكله البرنامج العراقي لإنتاج أسلحة إستراتيجية . خريف 2002 نشرت الحكومة البريطانية برئاسة توني بلير تقريرا يحذر من المخاطر التي يشكلها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وذلك في محاولة لكسب تأييد شعبه والرأي العام العالمي لصالح القيام بغزو العراق. ورغم ذريعة أسلحة الدمار الشامل المعلنة فإن أسبابا أخرى مختلفة (سياسية واقتصادية وحتى حضارية) ظلت قيد التناول في وسائل الإعلام العالمية وأروقة السياسة الدولية وأصبح بعضها أكثر إقناعا للمراقبين انطلاقا من سير الأحداث ومآلات الحرب وتكشف أسرار تحضيراتها. وفي طليعة تلك الأسباب تحمس الحكومتين الأمريكية والبريطانية لوضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة فقد تحدثت تقارير عديدة عن التحريض على الغزو من طرف مسؤولي شركات نفط أمريكية كبيرة من بينها مثلا مجموعة هاليبيرتون النفطية التي كان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي آنذاك يتولى إدارتها حتى عام 2000. كما أكدت وثائق سرية حكومية بريطانية وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية وعملية غزو العراق وقالت إن خططا لاستغلال الاحتياطي النفطي العراقي تمت مناقشتها بين مسؤولين حكوميين وبين كبريات الشركات النفطية العالمية وخاصة البريطانية منها (بينها شركات شل و بي بي و بي جي ) قبل عام من تاريخ غزو بغداد. مطلع جانفي 2003 أعلن بوش -في خطاب ألقاه بقاعدة فورت هود بولاية تكساس وهي أهم القواعد العسكرية الأمريكية- أن بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكريا إذا رفض العراق نزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها وأضاف أن بلاده لا تريد غزو العراق وإنما تحرير الشعب العراقي وأعرب عن ثقته في تحقيق نصر حاسم لأن أمريكا تمتلك أفضل جيش في العالم . واتهم بوش صدام بأنه يمثل تهديدا حقيقيا لأمريكا وحلفائها لأنه استخدم أسلحة الدمار الشامل سابقا كما استخدامها ضد شعبه واتهمه ب تحدي مطالب الأممالمتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية لمفتشي المنظمة الدولية الذين استأنفوا عملهم بتفتيش العراق أواخر نوفمبر 2002. وفي 7 مارس 2003 أبلغت الحكومة البريطانية النائب العام اللورد بيتر هنري غولدسميث بضرورة إعداد قرار بشأن مدى مشروعية شن الحرب على العراق دون الحاجة لقرار أممي جديد لإضفاء الشرعية على الغزو وهو ما وافق عليه اللورد بعد أن ظل يرفضه طوال الأشهر السابقة حسبما كشفته وثائق بريطانية سرية نشرتها حكومة ديفيد كاميرون يوم 30 افريل 2010 بشكل استثنائي وربما غير مسبوق. *حصيلة إجمالية استمرت 19 يوما عملياتُ الغزو -الذي أطلقت عليه واشنطن ولندن عملية الحرية من أجل العراق - من بدايته وحتى السيطرة على بغداد واجهت فيها القوات الغازية مقاومة من الجيش العراقي الذي كان يقاتل دون غطاء جوي. أما الفترة الواقعة بين لحظة سقوط العاصمة يوم 9 افريل 2003 وحتى نهاية ديسمبر 2007 فقد بلغ فيها عدد العمليات العسكرية الأمريكية ما يناهز 569 عملية عسكرية في محافظات ومناطق عراقية تتفاوت في كثافتها حيث تأتي بغداد أولا ثم الأنبار ثم بقية المحافظات ونُفذ 35 منها عام 2007 وحده. وتتفاوت التقديرات للعدد الإجمالي لقتلى الغزو من العراقيين تبعا لجهة صدورها فقد أفادت دراسة لمعهد الاستطلاعات البريطاني صيف 2007 بأن عدد هؤلاء الضحايا بلغ حتى ذلك التاريخ حوالي مليون شخص من أصل 26 مليونا سكان العراق. وكان تقرير للمجلة العلمية البريطانية ذي لانسيت صدر في أكتوبر 2006 قدر عددهم بما لا يقل عن 655 ألف قتيل. أما منظمة الصحة العالمية فتعتقد أن حصيلة القتلى العراقيين تتراوح بين 104 آلاف و230 ألفا وهو قريب من تقديرات وثائق ويكيليكس المسربة عام 2010 والتي أشارت لمقتل 109 آلاف عراقي منذ بداية الغزو. بينما اعترف الجيش الأمريكي بمقتل نحو 77 ألف عراقي بين جانفي 2004 واوت 2008 بينهم نحو 63 ألف مدني والباقون من العسكريين. وفي استطلاع أجراه مركز أو آر بي (ORB) استند إلى مقابلات ميدانية تبين أن حصيلة القتلى العراقيين بلغت مليونا و33 ألف قتيل منذ الغزو عام 2003 في حين تتحدث بعض التقديرات عن مقتل 654 ألف عراقي 600 ألف منهم ناجمة عن أعمال عنف وفق دراسة قامت بها جامعة جونز هوبكنز الأمريكية. ووفق هيئة إحصاء الضحايا العراقيين فإن عدد القتلى العراقيين الذين سقطوا برصاص أمريكي تخطى 106 آلاف و348 قتيلا بينما ذكرت بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق يونامي أن حصيلة هؤلاء الضحايا منذ بداية الغزو الأمريكي بلغت 359 ألفا و549 قتيلا حتى عام 2016.