وزير الشؤون الخارجية يستقبل رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    سكك حديدية : برنامج شامل لعصرنة وتطوير الشبكات    أشغال عمومية : تكليف المفتشية العامة للقطاع بمراقبة كل مشاريع الطرقات    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    كمال الأجسام واللياقة البدنية والحمل بالقوة (البطولة الوطنية): مدينة قسنطينة تحتضن المنافسة    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    وسط اهتمام جماهيري بالتظاهرة: افتتاح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    سوريا: اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في سوريا    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    معالجة 40 ألف شكوى من طرف هيئة وسيط الجمهورية    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و305 شهيدا    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    بطولة وطنية لنصف الماراطون    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    تفعيل التعاون الجزائري الموريتاني في مجال العمل والعلاقات المهنية    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال النهضة والحاجة إلى منظور السننية الشاملة
نشر في أخبار اليوم يوم 27 - 03 - 2022


إصدار جامعي دولي جديد:
سؤال النهضة والحاجة إلى منظور السننية الشاملة
* يا له من عالم جمع العلوم بأسرها.. ولكن بخسته الدار ..!
مساهمة: محمد مصطفى حابس*
إصدار علمي جامعي نوعي جديد جاء ليثري المكتبة الإسلامية في صمت إعلامي جزائري مطبق للشيخ الدكتور الطيب برغوث المفكر الجزائري المعروف والأستاذ الأسبق في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة الذي ألف أكثر من 60 كتابًا صدر بعضها في إطار سلسلة مفاتيح الدعوة التي رأت النور في أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي وتتلمذت عليها أجيال واسعة من نخبة الصحوة في المجتمع الجزائري خصوصًا والمغاربي عمومًا.
الكتاب بعنوان سؤال النهضة: الحاجة إلى منظور السننية الشاملة حيث استهل مؤلفه مقدمة كتابه مقرا و جازما بقوله أن: النهضة الحضارية قدَرُ المجتمعات الإنسانية ومحك المفاضلة فيما بينها وشرط أمنها الفكري والثقافي والاجتماعي وإشعاعها الحضاري والقطب الذي تتحرك نحوه مسيرة المدافعة الثقافية والاجتماعية والحضارية البشرية باستمرار. كما انتبه إلى ذلك ابن خلدون من قبل واعتبر الحضارة غاية يجري نحوها العمران الحضاري. ومن حقَّق من هذه المجتمعات نهضته الحضارية على وجهها الإنساني الصحيح المتوازن فقد حيزت له الدنيا وتوفر له من الشروط ما به يستمتع بحياته الدنيوية ويحضِّر حياته الأخروية ويستشرف المقامات العالية فيها باعتبارها الغاية العظمى للحياة ..
دراسات وأبحاث تتصل بموضوع النهضة
وكما كنا قد عرفنا باقتضاب شديد في مقال سابق موضوع سؤال النهضة بمناسبة الذكرى ال 70 لصدور كتاب شروط النهضة وكيف عالج مؤلفه مالك بن نبي(رحمه الله) مضمون شروط نهضة العالم الإسلامي وأسباب تأخره إذ يبين بن نبي أن العالم العربي ظل خارج التاريخ دهراً طويلاً مصورا إياه كأنه بشر لم يكن له هدف فاستسلم كالمريض للمرض وفقد شعوره بالألم حتى كأن المرض صار يؤلف جزءاً من كيانه. وقبل ميلاد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه ومن يحدثه عن العناية الإلهية التي استقرت على وسادته فلم يلبث أن خرج من سباته العميق ولديه الشعور بالألم. وبهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي والعربي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها النهضة .. وخلال هذه السنوات الطويلة قدمت دراسات وأبحاث تتصل بموضوع النهضة و تشرح معناها و ابعادها. هذه الدراسات تعالج الاستعمار والجهل هنا والفقر والبؤس هناك وانعدام التنظيم واختلال الاقتصاد أو السياسة في مناسبة أخرى. ولكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض أي دراسة مرضية للمجتمع العربي دراسة لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون!!
ويوضح مالك بن نبي ذلك بقوله أنه يجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته. فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية بينما رأى عالم دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة والوعظ .. ونتج عن هذا أنهم منذ مائة عام لا يعالجون المرض وإنما يعالجون الأعراض وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل فلا يهتم بمكافحة الجراثيم وإنما يهتم بهيجان الحمى عند المريض . والمريض نفسه يريد - ومنذ مائة عام - أن يبرأ من آلام كثيرة منها: من الاستعمار ونتائجه من الأمية بأشكالها من الفقر رغم غنى البلاد بالمادة الأولية من الظلم والقهر والاستعباد. وخلص الى إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلة ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبنى الحضارات أو تهدمها . كما يرى أيضا أننا بدل أن نبني حضارة قمنا فقط بتكديس منتجاتها ولم تكن النهضة الإسلامية بناء البتة بل تكديس المواد لا غير !! ونقطة الإنطلاق هي أن خلال العقود الماضية تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم العربي اليوم بل قل هو حديث عن الفرص التي تواكب التحديات والآمال التي تختلط بالأحزان والويلات في عالم يمر بسلسلة من التحولات المتسارعة.. حول هذه الأفكار الواعدة - التي تطرق اليها المؤلف - أحاول في عجالة رسم صورة مشاهد تستوقفنا كبشر أصحاب رسالة خاتمة نسعى للخير للناس كافة استعرضها تاركا للقارئ الكريم الاستنتاجات اللازمة..
جمع العلوم بأسرها.. وبخسته الدار
قبل ذلك يجدر بنا تذكير القارئ الكريم بحوارنا الشيق والماتع منذ أشهر مع أستاذنا الأكاديمي الجزائري الدكتور محمد بوعبد الله في الجامعة البريطانية حول ترجمته لكتاب حول ابن تيمية و عصره بعنوان شيخ الإسلام المُتنازَع عليه ونشرته جامعة أكسفورد حيث عرجنا في حوارنا معه على الطاقات الفكرية والعلمائية المعطلة والمخذولة في عقر دارها إذ كثيرا ما ازدراها الحكام والشعوب على حد سواء في عالمنا العربي والإسلامي ومنهم من غمطت حقوقهم ولم يعترف لهم بفضلهم على المجتمع والأجيال وحتى لما عرجنا على بعض أسماء رموز العمل الإسلامي في الغرب ذكرنا بعضهم أمثال الشيخ العلامة محمود بوزوزو والشيخ عصام العطار والدكتور سعيد رمضان ومنهم شيخنا الدكتور العربي كشاط فرد متأسفا عن هذا الأخير لأنه يعرفه شخصيا وعن قرب بقوله لنا: أما شيخنا الرباني الداعية الكبير الدكتور العربي كشاط المقيم حاليا في فرنسا فهو واسطة عقد مجتمعي الأصغر في زمورة (ولاية برج بوعريريج ) وهو الذي فتح أعيننا على تذوّق معاني العربية والقرآن إذ كان جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب الذي اجتمعت فيه حكمة المشرق والمغرب وزادته تجربته في الغرب قوة في العلم وصرامة في المنهج يندر أن تجد مثلها في دنيا الناس اليوم .. مضيفا بقوله: كثيرا ما أستعير مقولة سيدي أحمد بابا التنبكتي في وصف العلامة ابن مرزوق الحفيد لأصف بها شيخنا الحبيب: يا له من عالم جمع العلوم بأسرها ولكن بخسته الدار نفس الكلام بتعبير مشابه ذكره لنا شيخنا الأستاذ راشد الغنوشي لما حاورناه منذ عقود لمجلة التذكير و يومية المساء الجزائرية حول غربة أستاذه مالك بن نبي في عالمنا العربي مبينا لنا أنه لم تستفد من مشروعه إلا أقلية في مجتمعاتنا المغاربية بل وتحول صاحب المشروع النهضوي في بعض الفترات إلى قضية أمنية وطنية! وعملت جهات متعددة على محاصرة الرجل وفكره والتعتيم عليهما والحيلولة بينهما وبين الأجيال الجديدة لولا ثبات الرجل وإصراره على تبليغ أفكاره ومشروعه إلى الأجيال بكل الوسائل التي أتيحت له حسب ما كتبه بعض معاصريه أخيرا. مذكرا الباحثين خصوصا أن مشروع مالك بن نبي وقع له ما وقع لمشروع ابن خلدون من قبله تماما حيث تعرض بدوره للتهميش والإهمال وغطت عليه الثقافة التجزيئية والتلقينية والخرافية والاستلابية ولم تستفد منه الأمة في تصحيح وتجديد وبناء نهضتها الحضارية على أسس صحيحة متينة لحد الآن بالرغم من أهميته الكبيرة على المستويين المعرفي والمنهجي معا ..
غربة مالك بن نبي على الساحة الفكرية نتيجة منهجيته الصارمة ورؤيته البعيدة
نفس الملاحظات التي توصلت اليها - منذ عقود- دار الفكر المشرفة على نشر كتب مالك بن نبي حيث كتبت مستفسرة مستغربة: لقد استحكمت غربة مالك بن نبي على الساحة الفكرية نتيجة منهجيته الصارمة التي رتب أفكاره عليها ورؤيته البعيدة التي تضع مشروعه النهضوي في إطاره الإنساني الشامل وفي موقعه على مسار الدورات الحضارية متميزاً بذلك عن سائر مفكري حركة النهضة بشقيها: السلفي والحداثي فلم يفهمه أي من التيارين ولم يمكن تصنيفه ضمن واحد منهما فكان مرفوضاً منهما كليهما.. وقد تساءل أصحاب الاختصاص أيضا في ندوة نظمتها كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة التي نظمت في بداية شهر فبراير 2019 بمناسبة الذكرى ال 70 لصدور كتاب شروط النهضة المرجعي الهام حول أسئلة النهضة وشروطها منها:
-كيف تنهض المجتمعات والأمم وتحقق ريادتها وإشعاعيتها الحضارية؟ كيف تفقد المجتمعات والأمم نهضتها الحضارية وتدخل في ليل الغثائية والتبعية الحضارية المهينة ؟ لماذا فقدت المجتمعات الإسلامية نهضتها الحضارية ؟ وما تبعات ذلك ؟ وكيف تستعيد هذه المجتمعات نهضتها الحضارية من جديد ؟
تلك هي أهم الأسئلة المحورية الحاسمة التي تمحور حولها كتاب شروط النهضة الذي أصدره المفكر جزائري المهموم بشروط النهضة الحضارية للمجتمعات الإسلامية المعاصرة وبمخاطر النزعة المادية والإمبراطورية في الحضارة الغربية المعاصرة وهو مالك بن نبي رحمه الله منذ أكثر من سبعين سنة مضت..
اليد بصيرة والعين قصيرة
نفس الكلام قد نلمسه غير ما مرة حول جهود بعض مشايخنا وعلماء الجزائر في الخارج أمثال الشيخ محمود بوزوزو والشيخ العربي كشاط وغيرهم كثير من رموز الصحوة في أوروبا منهم أستاذنا المبجل الموسوعي الشيخ الطيب برغوث المقيم حاليا في مملكة النرويج والذي تنشر كتبه سنويا يمينا وشمالا حول مشروع النهضة وابعاده ولا يستفيد منها إلا نادرا أصحاب الدار يصدق فينا قول المثل الشعبي خبز الدار يأكله البراني والحديث عن هؤلاء الكبار يحتاج إلى سلسلة مقالات وحوارات ونقاشات طويلة ليس هذا محلّه لذلك سأتوقف هنا معترفا سلفا أن اليد بصيرة والعين قصيرة كما يحلو لي قوله أحيانا في مراسلاتي مع بعض مشايخنا كالعلامة الدكتور سي العربي كشاط الذي رد يوما علي بقوله: هذا المثل الذي تفضلت بإيراده استجاش في النفس أشجانا وما لبثت هذه الاشجان ان تكشفت عن شجون وإن هي إلا جراحات لما تندمل ... أجل العين بصيرة واليد قصيرة لذلك سأتوقف اليوم مع عرض مقتضب لإصدار جديد غاية في الأهمية للدكتور الطيب برغوث الذي إختارته جامعة قطر كأول كتاب في سلسلة مراجع أكاديمية دسمة نفيسة للطلبة والباحثين و صناع القرار في عالمنا الإسلامي وهو معروض للبيع حاليا في معرض الكتاب الدولي بالعاصمة القطرية الدوحة ود بعض أساتذتنا و العارفين بقيمته العلمية الذين تصفحوا الكتاب لو يعاد نشره في الجزائر ويترجم للغات دولية أخرى كالإنكليزية و الفرنسية ليستفيد منه أهل الاختصاص في جامعاتنا المغاربية و الاوروبية.
كتاب يعد فاتحة لنقاش علمي يؤسس لزوايا جديدة للنظر
والكتاب من الحجم المتوسط بعنوان : سؤال النهضة: الحاجة إلى منظور السننية الشاملة قدم له المشرف على السلسلة عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة القطرية بكلمة افتتاحية منوها بالكاتب والكتاب حيث جاء فيها على الخصوص ما يلي:
إن صدور كتاب من مؤلف في قامة الدكتور الطيب برغوث لهو فاتحة لنقاش علمي يؤسس لزوايا جديدة للنظر ويرفد الحركة العلمية بمصطلحات جديدة تزيد من معرفتنا بآفاق الأنفس وسنن العمران. ولما كان هذا الكتاب يعني بسؤال النهضة فإنه قد دخل في تلافيف قول شائك ومعقد وقليل من الباحثين استطاع أن يملك ناصية القول فيه ذلك لأن الحِجاج أو الكتابة فيه تبدو لأول الأمر سهلة وميسورة ولكن بالطبع ليست كذلك إلا لمن خبر دروبها وأمعن النظر في السؤال بجد واجتهاد... وهذا على وجه الدقة ما قام به صاحب كتاب سؤال النهضة والحاجة إلى منظور السننية الشاملة . لا أشك أن صاحب هذا الكتاب رجلاً محققاً في مجاله ولن نجافي الصدق إن قلنا إن نسبه في تاريخ الأفكار يتصل بابن خلدون في المقدمة ومالك بن نبي في كتابه شروط النهضة فلئن بَيَّن ابن خلدون إن الطرطوشي قد حوَّم حول الغرض ولم يصبه وجاء هو بعلم مبتكر هو علم العمران والذي يبين لنا السنن التي تحكم الاجتماع البشري وتنتقل من المستوى الظاهري الذي يعالجه المؤرخون إلى الباطن الذي هو موضوع علمه الجديد فإنه كذلك قد جعل وحدة التحليل التي يتحرك من خلالها هي الدول. فلذلك كانت عنايته بقيام الدول وازدهارها وسقوطها. لكن مالك بن نبي رأى أن يوسع من زاوية النظر لتنتقل من وحدة تحليل الدول إلى مستوى أرحب وهو الحضارة فكانت الدورة الحضارية هي مجال نظره الجديد وعلمه المبتكر لكنه كذلك في آخر ما كتب فطن إلى وحدة الحضارة الإنسانية ولا حاجة لنا من شأن إعلاء الدورة الحضارية وعبثية قيامها وازدهارها وسقوطها. وإنما عالمية الحضارة الإنسانية تقتضي نظراً أخلاقياً روحياً يسعى لرد القداسة لتلك الحضارة ومن هنا تأتي أهمية هذا السفر الذي نقدمه للقارئ إذ أنه يوسع من زاوية النظر ليدلنا على منظور السننية الشاملة والذي يعد فتحاً جديداً في مجاله وعلماً مبتكراً في مجال فهم الحضارة الإنسانية.
أفضل من كتب من هذا المنظور السنني التكاملي
كما أستطرد مقدم الكتاب بقوله أن صاحب هذا الكتاب ملئ السمع والبصر لا يحتاج منَّا لكثير تعريف فلا غرو أن يكون هو أفضل من كتب من هذا المنظور السنني التكاملي وكذلك فإن صلته بمالك بن نبي قديمة حيث أن أول عمل علمي أنجزه عام 1981 كان بعنوان: نظرية مالك بن نبي في الثقافة . وفوق هذا وذاك فهو قد جمع بين العلم والعمل فصلته بحركة البناء الحضاري الإسلامي جعلته يُسهم في تكوين المؤسسات العلمية والدعوية في الجزائر والنرويج. وهذه الحصيلة العلمية في سيرته التي أنتج فيها أكثر من أربعين كتاباً في مواضيع تدور حول الإصلاح والتغيير والتجديد وتطوير مفاهيم علمية وبناء نظرية في مجال الفعالية الحضارية من منظور إسلامي سنني إنساني كوني متكامل يبني خطاً ناظماً بين بدايات علم العمران عند ابن خلدون والدراسات الحضارية عند مالك بن نبي ليصل إلى نهاياته المنطقية على يد صاحب هذا السفر القيم.
من محاولات هذا الكتاب الجديد الواعد الملهم..
هذا الكتاب يحاول التأكيد على قضية محورية في الحياة الإنسانية ألا وهي كون النهضة الحضارية تشكل قدَر المجتمعات الإنسانية ومحك المفاضلة فيما بينها وشرط أمنها الفكري والثقافي والاجتماعي والحضاري الدنيوي وشرط أمنها الأخروي المصيري كذلك. كما يحاول هذا الكتاب وضع خريطة فكرية ومنهجية كلية متكاملة للإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تطرحها ظاهرة النهضة الحضارية على كل المجتمعات الإنسانية بشكل مستمر:
كيف تتأسس وتنطلق النهضات الحضارية الكبرى؟ وكيف تتوازن وتتكامل حركتها وتتعاظم فعاليتها الإنجازية وتزداد وتائر خيريتها وبركتها ورحمتها الكونية العامة؟ وكيف تضمن استمرارية صعودها الحضاري وتطيل أمده التاريخي؟ وكيف يتسرب إليها الضعف ويختل توازنها وتتراجع فعالية مدافعهتا الثقافية والاجتماعية والحضارية وتدفع بها النهضات الحضارية المنافسة أو الصاعدة أو المضادة إلى الوراء لتدفع ثمن ضعفها وخروجها من مرحلة الحضارة إلى مرحلة ما بعد الحضارة؟
فالكتاب محاولة للتعريف ب منظور السننية الشاملة الذي يضع أمامنا خريطة طريق شاملة للإجابة عن أسئلة النهضة الكبرى من ناحية ويمكننا من التقييم الموضوعي الشامل المتوازن لجهود حركة النهضة أو الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي من ناحية أخرى ويوقفنا على الدور المرجعي المحوري للقرآن الكريم في وضع معالم هذا المنظور السنني الكوني الكلي المتوازن من ناحية ثالثة وعلى دور أطروحتي المقدمة لابن خلدون و شروط النهضة لمالك بن نبي وغيرهما من قبل ومن بعد في الولوج في بعض تفاصيل هذا المنظور ومحاولة تأسيس الوعي بالأهمية البالغة له في الحياة الإنسانية من ناحية رابعة.
وقد جاء الكتاب في بابه الأول بعنوان : أسئلة النهضة وأطروحة شروط النهضة حيث عرف فيه الكاتب في فصل تمهيدي إشكالية الدراسة شروط النهضة . وخصص الفصل الثالث لمفاهيم النهضة الحضارية ومشكلة السننية الجزئية المتنافرة و في الفصل الرابع تطرق المؤلف لأطروحة شروط النهضة ومنظور السننية الشاملة.
أما الباب الثاني تحت عنوان النهضة الحضارية والحاجة إلى منظور السننية الشاملة فقد قسمه المؤلف الى خمسة فصول كانت كالتالي :
الفصل الأول: أهمية الوعي بمنظور السننية الشاملة / الفصل الثاني: منظور السننية الشاملة.. المرجعية والمفهوم والمبررات والخصائص / الفصل الثالث: معالم الخريطة الكلية لمنظور السننية الشاملة في ضوء القرآن الكريم / الفصل الرابع: أهمية الوعي بالحجية والسلطة المرجعية لمنظومات سنن التسخير الكونية الأربع / الفصل الخامس: مستخلصات الدراسة وتوصياتها.
كما ذيلت الكتاب بملاحق للباحثين والمختصين منها: مشروع تقييم أطروحة شروط النهضة وموضوعات أخرى مقترحة للدراسة السننية ومراجع ذات صلة. مختتما هذه الدراسة النفيسة جازما أن منظور السننية الشاملة هو الطريق الصحيح الآمن نحو النهضة الحضارية الإنسانية المتوازنة من ناحية ونحو الحياة الأخروية المأمولة من ناحية أخرى. وهذا ما نبَّه إليه القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
وهذا المنظور هو ما تحركت في إطاره أطروحتا المقدمة لابن خلدون و شروط النهضة لمالك بن نبي وغيرهما من المحاولات الفكرية والمشاريع الإصلاحية الجزئية هنا وهناك وما ينبغي بل يجب أن تتحرك في إطاره ونحوه كل المحاولات والمشاريع الفكرية والإصلاحية على مستوى المجتمعات الإسلامية والإنسانية مستقبلًا.. وقد نعود بحول الله لقراءة متأنية لأهم فصوله إن كان للأعمار بقية و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.