يا من صُمتم رمضان: إياكم أن تكونوا كحمقاء مكة!.. * الشيخ أبو اسماعيل خليفة دار الدهر دورته ومحا الزمان أثره وفارقنا شهر رمضانَ الكريم فراقَ الحبيب لحبيبه وما أشد فراق الأحبة وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون!. فهل يا ترى اتخذنا من رمضان قاعدةً للمحافظة على الصلاة في باقي الشهور ومنطلقاً لترك المعاصي والذنوب؟. وهل تخرجنا من مدرسة رمضان بشهادة التقوى؟. فيا من صمتم رمضان وقمتموه ها قد انقضى شهرُ القيام فلا تَقْصُروا عنه سائرَ العام فإن من أعظم الجرم وأكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكريم!. فإياكم.. إياكم أن تنقضوا عهدك مع الله وتبطلوا أعمالكم احذروا أن تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.. يروى أن امرأة من بني تميم عاشت في زمن ما قبل الإسلام كانت تلقب بالجعراء أو الجعرانة وإليها ينتسب الموضع المسمى بالجعرانة بين مكةالمكرمة والطائف وهو ميقات للإحرام وسميت أيضا بخرقاء مكة وكان يضرب بها المثل في الحمق.. وذلك لأنها كانت تجتمع هي ومجموعة من الجواري والعاملات لديها فتأمرهن بالعمل على غزل ونسج الصوف والشعر ونحوهما ثم إذا انتصف النهار وانتهين من أداء عملهن في الغزل أمرتهن بنقض وإفساد ما غزلنه وإرجاعه أنكاثاً أي: خيوطاً وذلك بإعادة تقطيع الغزل إلى قطع صغيرة ثم تنكث خيوطها المبرومة فتُخلط بالصوف أو الشَّعَر الجديد وتنشب به ثم تضرب بالمطارق أو ما شابه على أن يقمن بغزله مجدداً في اليوم التالي وهكذا تجهد هذه المرأة نفسها وعاملاتها بالعمل ثم تفسده بحمقها وخراقتها. وفيها نقرأ قول الله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . فيا غفر الله لي ولكم: إياكم أن تكونوا حمقاء مكة وتنقضوا عهدكم مع ربكم.. اجعلوا أيامكم ولياليكم كلَّها كأيام رمضان ولياليه حافظوا على الفرائض وأتبعوها بالنوافل والزموا القرآن تلاوةً وحفظًا وتدبرًا وعملاً وحافظوا على ما غزلتم وشيدتم في رمضان واعلموا أن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد وفّقه لعمل صالح بعده فالحسنات تتلازم ويدعو بعضها إلى بعض وكذلك السيئات قال بعض السلف: ثواب الحسنة الحسنة بعدها . وقال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: إذا رأيت الحسنة من الشخص فاعلم أن لها عنده أخوات وإذا رأيت السيئة من الشخص فاعلم أن لها عنده أخوات . أي: أنهنّ عناوين والشيء يدل على غيره. ولقد سئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في شهر رمضان فإذا انقضى ضيعوا وفرطوا فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان .. فاجعلوا -أيها المباركون- من نفحات شهر رمضان ونسماته المشرقة مفتاح خير لسائر العام واستقيموا على طاعة ربكم وداوموا ولو على القليل من العمل الصالح فما أوحش ذلّ المعصية بعد عزّ الطاعة الزموا تقوى الله واعلموا بأنها أكرم ما أسررتم وأجمل ما أظهرتم وأفضل ما ادخرتم.. جعلني الله وإياكم من المتقين.. والحمد لله رب العالمين..