في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الأربعون بعد المائة- بقلم: الطيب بن إبراهيم *من كان وراء مئات الرحلات لرئيس الإرسالية؟ كان شعار الأب الروحي ل إخوة يسوع الصغار شارل دي فوكو: الإنجيل يقدم لفقراء الصحراء L évangile présenté aux pauvres du Sahara ولتحقيق ذلك عاش الجاسوس دي فوكو في الصحراء مع سكانها ناسكا فقيرا بين فقرائها!! وكان شعاره هو نفس الشعار الذي حملته وتبنّته أول إرسالية تابعة لتلامذة شارل دي فوكو بمدينة الأبيض سيدي الشيخ بزعامة رئيسها الأب روني فوايوم الذي لم يكن ينزع عباءته الصوفية في الأبيض وهو الذي في أول لقاء جمعه مع السكان بمناسبة حفل افتتاح كنيسته يوم 22 ماي سنة 1934 حيث خاطب السكان قائلا: أقول لكم إننا التجأنا لهذا المكان النامي لجمال موقعه في نفوسنا وبعيدا عن ضوضاء المدن لنتفرغ فيه لعبادة الله وحبا في الانعزال عن الناس وزهدا في ملاذ هذه الحياة الفانية . وفي سياق حياة الزهد والتعبد والنسك والفقر أصبح الأب فوايوم يخرج بخيمته ليقيم خلوة له صومعة في الصحراء يختلي بها للعبادة والصلاة مدة تتراوح ما بين الأسبوع والشهر كما كان يفعل متصوفة المنطقة فكانت أول خلوة له في شهر سبتمبر سنة 1934 كان ينوي الإقامة خلالها مدة أسبوع لكنه لم يستطع البقاء سوى أربعة أيام وكانت خلوته الثانية في شهر نوفمبر من نفس السنة كانت أطول من خلوته الأولى واضطر خلالها لشرب ماء الأمطار المتجمع الغدير ودامت خلوته الثالثة مدة خمسة عشر يوما في شهر أكتوبر سنة 1935. قد يظهر الأمر عاديا في حياة شخص عابد زاهد ترك ملذات الحياة الفانية على حسب قوله أطلق لحيته وأسدل على نطاقه سبحته وارتدى عباءته وبرنوسه الصوفيين وخلا في صومعة بالصحراء للعبادة مقتديا بقدوته وشيخه الأب شارل دي فوكو. هكذا فضّل أن يعيش الأب فوايوم فقيرا كالفقراء في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومركبه وإلى هذا الحد يعتر الأمر عاديا وإن كان الأمر مصطنعا لكن الأمر غير العادي هو الوجه الآخر الوجه الحقيقي للرجل الذي كان لا يظهر به إلا خارج مدينة الأبيض سيدي الشيخ بعيدا عن الأعين والأنظار حيث ينزع لباسه الصحراوي ويلبس لباسه العادي ويظهر على حقيقته بلباسه الغربي حيثما حل وارتحل في قارات العالم الخمس. *تنقلات كثيرة الأمر الغريب والمثير ليس هو في تغيير لباسه ما بين الأبيض وخارجه فقط بل هو في تلك الرحلات التي لم تكن لتتوقف على مدار السنة داخل الجزائروفرنسا والفاتيكان وأحيانا تتكر في الشهر الواحد بين هذه البلدان وأيضا رحلاته المتكررة للدول الإفريقية وأحيانا تتكرر في نفس السنة ورحلاته المتكررة لأقصى البلدان في أقصى العالم ومع ذلك كانت تتكرر مثل تكرار رحلته إلى الشيلي وبوليفيا والأرجنتين والبرازيل في شهر جويلية سنة 1950 ثم عاد لهذه الدول سنة 1953 في أقصى جنوب القارة الأمريكية ناهيك عن زياراته التي قد تكون دورية إلى منطقة الشرق الأوسط وهو ما تحدثنا عليه في الحلقة السابقة رئيس الإرسالية الرحالة . هنا يطرح السؤال هل هذا هو الرجل الفقير العابد الزاهد صاحب الخلوات والعباءة الصوفية الرافض للحياة الفانية حسب تعبيره؟! أم هو وزير لخارجية جهة ما؟! والأهم من ذلك من كان يقف وراء تلك الرحلات والسفريات العالمية ويمولها؟ وعادة لا يكون سفره منفردا بل مع رفيق أو أكثر؟ ومدة السفر كانت تطول لتصل أحيانا لعدة أشهر؟ بل تتجاوز السنة وكانت أطول رحلاته بلغت حوالي سنة ونصف السنة وزار خلالها أكثر من أربعين دولة دفعة واحدة في القارات الخمس مجتمعة وهذا يتطلب تكاليف ونفقات باهظة جدا للسفر لكل القارات بالطائرات والسيارات والبواخر بملايين الفرنكات؟ بالإضافة لنفقات الإقامة والإطعام فمن كان يقف وراء تلك النفقات؟. بينما في الأبيض كان يتظاهر بالفقير العابد الناسك بعبادته الصوفية وسبحته المتدلية وكان هو شخصيا مع مجموعته يوزعون ما توفّر من مساعدات من أمداد من القمح والشعير أو الأرز على الفقراء الحقيقيين. * التناقض الشخصي هناك تناقض بين الشعار والواقع وبين الوجه الحقيقي والوجه الخفي وبين الحياتين الزهد والترف وبين الفقر والإنفاق غير المحدود بالإضافة لذلك علاقة الرجل بشخصيات سامية في الدولة الفرنسية فعندما يقول الأب فوايوم أنه التقى بكاتب رئيس الجمهورية ديغول فلان والتقى مع الجنرال علان فالسؤال المطروح ما هي حقيقة ذلك الشخص ومن يقف وراءه؟؟. الأكيد أن من كان يقف وراء انفاق الملايين من الفرنكات الفرنسية على الجولات المتكررة لهذا الشخص ومن معه سنويا هو ضمن منظومة الاستعمار الفرنسي للجزائر وأن تلك المنظومة هي من يقف وراء مجاعات الشعب الجزائري المتكررة منذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر والجزائر هي التي كانت قبل الاحتلال تصدر القمح لفرنسا وأن الجهات التي كانت تنفق الملايين سنويا وربما شهريا على الجولات المحلية والإقليمية والعالمية لرئيس الإرسالية كانت ضمن منظومة الاحتلال التي كانت سببا في طوابير الجياع أمام إرسالية الأب فوايوم ليوزع عليهم أمدادا من القمح والشعير وفي أحسن الحالات من الأرز. ومع ذلك هناك بعض البسطاء من النساء والرجال لا يربطون بين الاحتلال وبقية أذرعه ولا يرون هناك علاقة بين رجال الكنيسة ودولتهم الاستعمارية بل يرون فيهم ملائكة الرحمة المهداة لنشر الخير والإنسانية؟!.