في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الثاني والأربعون بعد المائة- بقلم: الطيب بن إبراهيم *اهتمام رئيس الإرسالية بشاعر المقاومة محمد بالخير آخر حلقة نختم بها النشاط الثقافي لرئيس إرسالية إخوة يسوع الصغار بمدينة الأبيض سيدي الشيخ الأب روني فوايوم قبل مغادرته لها نهائيا وعودته لوطنه فرنسا هو اهتمامه بتراث وموروث المدينة التاريخي والثقافي خاصة شاعر مقاومة أولاد سيدي الشيخ الكبير محمد بالخير الشاعر الذي عرفه الجزائريون من خلال فيلم الشيخ بوعمامة . منذ وصول القس فوايوم لمدينة الأبيض سيدي الشيخ التي تتميز بطابعها الجهادي والصوفي والتي وصفها سلفه الماريشال ليوتي الذي زار المدينة سنة 1905 بأنها مكة الصغيرة . اهتم الأب فوايوم بمعرفة واكتشاف تاريخ وتراث المدينة فكما اهتم بدراسة صوفي المدينة سيدي الشيخ وقصيدته الصوفية الياقوتة اهتم بدراسة زعماء المقاومة وقادتها وبشاعرها محمد بالخير فبدأ بجمع قصائده وترجمتها من العربية للفرنسية كما يقول خاصة أنه كان يجيد اللغة العربية قراءة وكتابة. *محمد بالخير الفارس 1835 - 1905 ولد شاعر مقاومة أولاد سيدي الشيخ محمد بالخير سنة 1835 في الخيمة بالبادية بين أفراد أسرته وقبيلته ( الرّزيقات ولاية البيض) حيث شبّ على قيم البادية من مروءة وشجاعة وفروسية وحب للحرية وكرم وفصاحة ومواجهة المعتدي وهي القيم التي جعلته من الأوائل ضمن قبيلته ممن انضموا مبكرا إلى مقاومة أولاد سيدي الشيخ ضد الغزاة الفرنسيين. شارك محمد بالخير في كل معارك مقاومة أولاد سيدي الشيخ بداية مع مفجرها الأول سليمان بن حمزة وكان شاهد عيان على معركة عوينة بوبكر يوم 8 افريل سنة 1964 التي سحق فيها المقاومون بزعامة البطل الشاب سليمان بن حمزة العقيد الكسندر بوبراتر 1819- 1864 وجنده وشارك مع محمد بن حمزة بعد استشهاد أخيه سليمان كما شارك مع احمد بن حمزة بعد استشهاد أخيه محمد وشارك مع أخيهم الرابع غير الشقيق قدور بن حمزة حتى بعد أن تخلى عنه الجميع وتوقفت المقاومة ولم يبق حول القائد إلا حوالي 10 خيم. وكان الشاعر الفارس ضمن من يعارضون بشدة أي تفاوض مع فرنسا. وقد أصيب فرس الفارس في إحدى المعارك بثلاث رصاصات ونجا من الموت المحقق بأعجوبة. *محمد بالخير الشاعر لم يكن محمد بالخير ممن قاوم الاحتلال بالسيف فقط بل كان من أشهر شعراء مقاومة أولاد سيدي الشيخ على الإطلاق حيث جادت قريحته بأجود وأبلغ القصائد والأشعار التي لازالت حية في الذاكرة الشعبية إلى يومنا هذا تردد هنا وهناك خاصة بين سكان البدو الرحل موطنها الأصلي. كان محمد بالخير لسان حال مقاومة أولاد سيدي الشيخ يمثل إعلاما حيا يتردد صداه في كل ربوع الصحراء وبين جميع قبائلها ناشرا أخبارها ومفاخرها متغنيا ببطولاتها وانتصاراتها وقادتها. كان شعره متفجرا بالفخر والحماسة والاعتزاز بالنفس والوطنية نابضا بالروح الجهادية كما كان شعره أكثر وقعا وإيلاما على العدو. يقول في إحدى قصائده الشعبية بعد الانتصار على العدو: أحْنَا مُجَاهْدِين مَانَا قَوْل ضْعِيف تَبّعْنَا ما قال ربي في القرآن واحْنَا فُزْنا على العرب جيد وشريف بَتْوَانسْ نَضْربُوا على شَوْفة لَعْيَان زْوَيْجَة كَابْسُونْ وكْوَابِيس رْدِيفْ كي يَخْلى يضرب المجاهد بَالْيَطْغان واحْنا نَفَرْحُوا منين يكون الضيف وْفَوَّتنا دنية الغرور باه مَّاكان نفسي طاعت للإله وْضَرْبْ السّيف وبأفعال الخير يدخل ابن ادم لاَمان *محمد بالخير الأسير بعد انتهاء المقاومة قُبِض على شاعرها ونفي إلى قلعة كالفي Calvi بجزيرة كورسيكا سنة 1884 وهنا ازداد الضغط على البطل الشاعر فيقول قصائد أخرى يهوِّن بها على نفسه وعلى من معه من قومه واصفا آلامه وآماله ولم يُفرج عن الفارس المغترب من سجنه إلا بعد ما يقرب من عشر سنوات حوالي سنة 1893 حيث عاد للجزائر لكنه مُنِع من عودته لموطنه الأصلي إلا بعد سنة قضاها بالشمال بمنطقة عين تموشنت. ومن بين ما قاله في سجنه ومنفاه: يَا سايْلْني لا تسوَّل خلِّيني في أحكام رب العالمين من وحْشة خاطْري أتْهَوَّل وحْش أولادي وحبّ سيدي جاوْ اثنين راني في كالفي مْجوَّل أنا والشيخ بن دْوَيْنة مرهونين فَيْوَك يا خالقي تعوَّل سلاَّك الحاصْلين تْفُكّ من البحرين ضَاقت روحي أبغيت نرحل من برّ الروم ننتقل للمسلمين طْلَبْتك يا إله تقبل بعد الضِّيق تفرّج عْلِينا في الحِين. *رئيس الإرسالية ومحمد بالخير ما لفت انتباهي أن رئيس إرسالية التنصير دائما يسير في الاتجاه المعاكس ولا يرى ما نراه إلا بعين الحقد والعنصرية وكعادته لا تخلو نظرته من الغمز واللمز والاستهزاء والتشفي فهو عندما يتحدث عن بطل المقاومة السي قدور بن حمزة يتعمد الإشارة إلى أن زعيم المقاومة مُنِع من زعامة زاوية سيدي الشيخ لأن أمّه زنجية وعندما يتحدث عن الإمام الذي كان يُعلمه علم التصوف والتجويد بالأبيض يتعمد الإشارة إلى أنه أسود أصوله من عين صالح. وفي نفس السياق عندما يتحدث رئيس الإرسالية عن شاعر المقاومة وفارسها محمد بالخير لا يشير لعشرات قصائده التي يتغنى فيها بالمقاومة وبانتصاراتها وبزعمائها وبقبائلها وأمجادها ومكارمها كما ذكرنا سالفا أو كقصيدته التي يتحدث فيها عن خسائر العدو: ماتَتْ منَّا احْداعشْ فُرسان الحَيْف مِيتِينْ وْنُصْ بين كَفْرَة ومْزان واللي ما نَافْ على النَّبي ما عنده نَيْف محمد صاحب الشفاعة والفرقان أو قصيدة : اوْفزنا على الروم كم من سَعْية وحْصُن بَلْجَمَاتْها تتڤوَّد خَلَّطْناهم كافر وشاشية تَخْلاطْ غنم كابَّة للموْرِد حَكَّيْناهم كيف حكّْ ڤْليّة فينا كان كبيرهم يَتْزاهد بل اختار القس قصيدة مطلعها: دبَّر عليَّ يا صاحب التدْبِير قالها الشاعر بعد هزيمة مؤلمة لرجال المقاومة عموما ولقبيلة الشاعر الرّزيڤات خصوصا التي فقدت أكثر من سبعين (70) بطلا من أبنائها إنها معركة قارة الغشوة بتاريخ 16 جوان سنة 1881 حيث يذكر القس أن رجال المقاومة فقدوا أكثر من مائة شهيد زيادة عن عدد الأسرى والجرحى. وكأنّ القس يتشفى في الشاعر وفي هزيمة قومه وفي منفاه بأقصى الصحراء فيقول: هناك في المنفى في واد ڤِير وبحزن وأسى قال الشاعر قصيدته منتظرا الفرج...: L est là en exil sur l oued Guir que le poème Belkheir composa ce poème de Guarete el gachoua (ce poème commence par ses mots: Debber aleya ya saheb ettedbir : Mène à bien mon destin toi qui pourvois à tout .