تعليم.. اقتصاد.. تآلف.. ثلاثة عناصر لثورة المسلمين الدستورية في إثيوبيا الجزء الأول تحت شعار (360 يوما من أجل الحرية)، يواصل مسلمو إثيوبيا مسيرتهم السلمية رافضين تدخل الحكومة في شؤونهم الدينية، ومطالبين بالإفراج عن مثقفين وعلماء انتخبهم المسلمون للتفاوض مع الحكومة بطريقة قانونية. قبل الحديث عن الأزمة الجارية بين المسلمين من جهة والحكومة الإثيوبية وفرقة الأحباش من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى حقيقة أن المسلمين في إثيوبيا يمثلون أكثرية سكانية، وهو أمر قد يبدو مستغربًا للكثيرين، وهم موجدون في مختلف المناطق والأقاليم. في إثيوبيا قوميات عدة أهمها قومية أورومو التي تمثل الأكثرية السكانية وتنتشر في كل الأقاليم، ويمثل المسلمون فيها أكثر من 80% ويبلغ تعداد قومية أورومو 45 مليون نسمة تقريباً. وإذا جمعنا النسبة التي تخص المسلمين بمختلف قومياتهم نجد أنها تتراوح مابين 65 – 70 % من مجموع سكان إثيوبيا البالغ 95 مليون نسمة. وهذا هو (مربط الفرس) في الأحداث الجارية في إثيوبيا؛ فهذه الكثافة السكانية الإسلامية الكبيرة عاشت مئات السنين في ظروف قاسية وصعبة من حيث التنكيل بها والقتل والتشريد أحيانا، وإبعادهم عن التعليم أحيانا أخرى، ومطاردة المناضلين من أجل الحرية والمساواة وحرية المعتقد. وقد قام المسلمون بمختلف عرقياتهم وانتماءاتهم القبلية لينفضوا عن أنفسهم غبار الذل والمهانة وصور التخلف والقمع التي مورست ضدهم أيام حكام الأباطرة الصليبيين وبالذات عهد هيلا سلاسي، ليبرزوا في الساحة قوة شعبية تنهض لكتابة تاريخ جديد لإثيوبيا وهذا ما دفع الحكومة ومستشاريها في الداخل والخارج لافتعال الأزمة. أسباب الأزمة الحالية بعد انهيار النظام الشيوعي في إثيوبيا في تسعينات القرن الماضي وتولي رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي السلطة حدث شيء من الانفراج اتجاه المسلمين وشيء من الشعور لديهم بأنهم مواطنون لهم كامل حقوق المواطنة، من حيث التعلم، وحرية التدين، والدعوة إلى دينهم حسب دستور البلاد الذي ساهم أبناؤهم في كتابته بدمائهم مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى. وهذا الشعور دفعهم للعمل بقوة في 3 مجالات تؤهلهم في المدى القريب للقيام بواجبهم نحو دينهم ووطنهم. مجالات طالما حرموا منها إبان الأنظمة القمعية. وهذه المجالات هي: التعليم، الاقتصاد، التآلف والوحدة بين المسلمين. اهتم المسلمون في إثيوبيا بالتعليم في المناطق المختلفة في المدن والقرى مما جعل أبناءهم يبرزون في المراحل الثانوية والجامعات بشيء من التميز النوعي والتحصيل العلمي وحسن الانضباط والتفوق، مع الالتزام الملفت بالإسلام وشعائره، لاسيما الفتيات رغم العراقيل والعقبات التي تضعها أمامهم إدارات التعليم في الثانويات والجامعات للحيلولة دون الالتزام بمبادئ دينهم، ولا توجد كليات ولا جامعات خاصة أو تابعة للدولة إلا وفيها نشاط وبروز ملموس للطلاب المسلمين. وهذه الظاهرة ولّدت لدى البعض روح الحقد والحسد ضد المسلمين، فَسَعوا لاستفزاز الطلاب المسلمين، بتدنيس المصحف الشريف أحياناً، كما حصل في جامعة أواسا في الجنوب، أو كتابة مقالات في الصحف فيها إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، بهدف صرف المسلمين وإشغالهم عن الاهتمام بالتعليم الذي يشبه إلى حد ما النهضة والثورة التعليمية، لكن المسلمين اختاروا السِّلم والتركيز على بناء أنفسهم تعليمياً. كما أن شباب المسلمين الذين وُظفوا في دوائر الحكومة بعد التخرج أثبتوا جدارتهم وتميزهم في أداء الأمانة الوظيفية من حيث الانضباط في العمل والنزاهة والعفة والترفع عن الرشاوى والفساد الإداري وسوء الأخلاق الذي ابتلي به الآخرون. وفي مجال الاقتصاد تمكن بعض تجار المسلمين وخاصة الشباب منهم من إنشاء شركات ومؤسسات تجارية في مجالي الاستيراد والتصدير والتوكيلات التجارية، وفتح قنوات اتصال ببعض الشركات والمؤسسات التجارية في العالم للعمل معها، من تركيا، وتايلاند، والصين، والسعودية، وماليزيا، ومصر، والأردن، والهند، واليمن، مما يؤهلهم لأن يصبحوا قوة اقتصادية قوية قد تساهم يوما في رسم السياسة الاقتصادية للدولة.. وهذا بطبيعة الحال لا يعجب الآخرين. وفي مجال وحدة الصف وجمع كلمة للمسلمين كانت صيحات ودعوات منذ سنوات من بعض الدعاة والعاملين في الساحة للعمل في هذا المجال بقوة لكونه من أهم عوامل النصر للمسلمين. وفي أثناء الأزمة الحالية بين المسلمين والحكومة اهتمت القيادة الشبابية بهذه المسألة فصرفت طاقاتها وإمكانياتها المادية والمعنوية لبناء الوحدة الإيمانية والأخوة الإسلامية، وقد يعجز اللسان عن نقل الصورة الحقيقية لهذا العمل المبارك الذي جمع الله به قلوبا متنافرة، وصفوفا متفرقة، وآراء مختلفة، بحيث أصبح المسلم في الشمال يشارك إخوانه في شرق البلاد وغربها وجنوبها آلامهم وآمالهم، في ترفعٍ عن الانتماءات والنعرات القومية والقبلية التي كان النظام يغرسها وينشرها بين المسلمين ويعتمد عليها منذ توليه الحكم قبل عقدين من الزمان كورقة أساسية ومهمة لتضعيف المسلمين والقضاء على الإخوة والروابط الإيمانية بينهم ليضمن بذلك بقاءه في الحكم ويعيش المسلمون في تفرق وتناحر، وهذه سياسة معروفة لنظام إثيوبيا الحالي. برنامج الصدقات والوحدة ولتفعيل روح الإخوة الإيمانية بين المسلمين وإحيائها من جديد لجأ الشباب والقيادة المسئولة عن هذا البرنامج إلى طرح مشروع اسمه "مشروع برنامج الصدقات والوحدة"، إيمانا منها بأن النصر والتمكين لن يتحقق للمسلمين إلا إذا تآلفت قلوبهم وتوحدت كلمتهم فقاموا بتوعية تجار المسلمين بأهمية المشاركة في البرنامج، ودعمه مادياً ومعنوياً كما قاموا ببيان وتوضيح فضل الصدقات وإطعام الطعام للفقراء والمساكين وأن ذلك من أسباب رفع البلاء وكشف الضراء عن المسلمين، فتجاوب تجار المسلمين مع البرنامج بشكل كبير، وبدأ تنفيذه في المدن والقرى والأرياف فضلا عن المدن الكبيرة كالعاصمة وغيرها. وقد نفذ البرنامج تحت شعار قول الله تبارك وتعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...). وكانت تحضر أحفالَ البرنامج الدعوي جموعٌ غفيرة تقدر بعشرات الآلاف في بعض المناطق، تأتي مشيا على الأقدام من القرى النائية أو سكان المدن للمشاركة في اللقاء الأخوي الإيماني، وكان موضوع الأخوة الإيمانية وأهميتها في تحقيق النصر للإسلام والمسلمين وأجر المحبة في الله وما أعده الله للمتحابين فيه، من الموضوعات الرئيسية في تلك اللقاءات، إضافة إلى توعية المسلمين بفرقة الأحباش وضلالاتها ومناهجها التكفيرية وأنها قد جيئ بها من لبنان إلى إثيوبيا لضرب الإسلام والمسلمين ووقف انتشار التوعية الدينية بين المسلمين وخاصة الشباب والطلاب. كما قدمت محاضرات لتوعية المسلمين بدستور البلاد وما فيه من حقوق كحرية التدين وحرية التعبير، وأن الدولة يحرم عليها التدخل في القضايا الدينية، وأن ما نلاحظه من تصرفات بعض المسئولين من تدخل سافر في القضايا الدينية وسعيها لنشر أفكار فرقة الأحباش بين المسلمين بالترغيب وبالترهيب، هو خرق واضح لصريح الدستور، وعلى المسلمين أن يقفوا ضد انتهاك الدستور، سواء قام بذلك مسئول كبير كرئيس الوزراء أو مسئول صغير في القرى والأرياف، ومواصلة الاحتجاج والحراك الشعبي للمطالبة بالحقوق الدستورية. وكانت الذبائح تقدم في هذه الأحفال لإطعام الفقراء والمساكين والمشاركين، وقد بلغ الجود والكرم ببعض تجار المسلمين أن يقدموا 30 ذبيحة من الإبل لبرنامج الصدقات، بخلاف أعداد كبيرة من الثيران والأغنام، مما كان له أثر بالغ في تحقيق الوحدة والتآلف بين المسلمين في فترة قصيرة. * هذه الكثافة السكانية الإسلامية الكبيرة عاشت مئات السنين في ظروف قاسية وصعبة من حيث التنكيل بها والقتل والتشريد أحيانا، وإبعادهم عن التعليم أحيانا أخرى، ومطاردة المناضلين من أجل الحرية والمساواة وحرية المعتقد. وقد قام المسلمون بمختلف عرقياتهم وانتماءاتهم القبلية لينفضوا عن أنفسهم غبار الذل والمهانة وصور التخلف والقمع التي مورست ضدهم أيام حكام الأباطرة الصليبيين وبالذات عهد هيلا سلاسي، ليبرزوا في الساحة قوة شعبية تنهض لكتابة تاريخ جديد لإثيوبيا وهذا ما دفع الحكومة ومستشاريها في الداخل والخارج لافتعال الأزمة.