على الرغم من جملة التعليمات التي جاءت على لسان مسؤول الجهاز التنفيذي لولاية عنابة والقاضية بضرورة خروج المنتخبين المحليين من مكاتبهم إلى الميدان من أجل محاربة ظاهرة البنايات الفوضوية غير أن رقعة هذه الأخيرة ازدادت توسعا خلال الآونة الأخيرة مشكّلة بدورها قنبلة موقوتة باتت تهدّد بصفة كبيرة استراتيجية التنمية لولاية عنابة علما أن انتشارها المخيف صار يعيق سبيل مشروع تحسين أوضاع الأحياء نظرا للعواقب الوخيمة الناتجة عن تنامي ظاهرة تشييد البنايات الفوضوية ما جعل والي عنابة يركز على هذا الملف الحساس ويعطيه أهمية بالغة عن طريق إطلاقه لمجموعة من التوصيات المتمثلة في تعليمات وأوامر صارمة وجّهت لرؤساء المجالس الشعبية البلدية غير أنها لم تف بالغرض في ظل تبني بعض المنتخبين المحليين سياسة اللامبالاة وانتهاجهم مبدأ التجاهل دون تكليف أنفسهم أي عناء في تجسيد التعليمات على أرض الميدان وتطبيق القوانين التي بقيت مجرّد حبر على ورق يعلوه الغبار برفوف مكاتبهم، هذا وفي ذات السياق فقد لمست «آخر ساعة» في جولة ميدانية قادتها إلى بعض أحياء بلديات عنابة لمحة من العواقب الوخيمة المتولدة عن ظاهرة تشييد البنايات العشوائية، حيث اندهشنا من الأوضاع الخطيرة التي شقّت طريقا يبرز فعلا خروج الأمور عن السيطرة حين سجّلنا استفحالا رهيبا لظاهرة بناء المحلات التجارية التي صارت تبنى بطرق غير قانونية أمام مرأى المسؤولين الذين لم يحركوا ساكنا لردع مثل هذه التجاوزات. فبعد أن اقتصرت الظاهرة في وقت سابق على تشييد المنازل الفوضوية بأماكن منعزلة تطورت هذه الظاهرة اليوم لتصل إلى حد بلوغها واجهات الطرقات وعلى الأرصفة عن طريق إنشاء محلات تجارية تعكس غياب الأميار الذين ضربوا الثقة التي منحها إياهم الشعب عرض الحائط وأداروا وجوههم لممارسات «كارثية» تحدث داخل شوارع أحياء بلدياتهم علما أن مجموعة من تلك الأفعال تعد من مخلفات رؤساء سابقون للمجالس الشعبية البلدية ممن انتهت عهداتهم قبل قرابة السنة من الزمن تاركين بدورهم أحياء بلدياتهم خارج نطاق التغطية، كما كشفت مصادر «آخر ساعة» بأن معظم تلك التجاوزات جاءت خلال الفترة المتعلقة بالانتخابات المحلية السابقة في وقت كان فيه المنتخبون المحليون منهمكون بالتحضير للانتخابات، هذا وقد لفت انتباهنا تحوّل الظاهرة السيئة إلى سبيل معظم الشباب الذين قست بهم ظروف الحياة ولم يجدوا طريقة لجلب لقمة عيشهم ما جعلهم يلجؤون إلى وسائل أخرى مخالفة للقوانين المعمول بها، حيث صارت لهم فكرة واحدة لا غير وهي المتمثلة في قيامهم ببناء محلات فوضوية بدون رخص في ظل صمت المسؤولين الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء تطبيق القانون في حقهم لردع مثل هذه التجاوزات التي ازدادت مساحتها بشدة داخل أوساط الشباب الذين انتهزوا فرصة غياب الرقابة لتشييد بنايات فوضوية بأحيائهم وبجانب عماراتهم وحتى على الطرق العامة دون مراعاة أدنى شروط معايير البناء، وهو ما وقفت عنده «آخر ساعة» التي رصدت الحالة الكارثية التي آلت إليها بعض أحياء بلديات عنابة على غرار حيي سيدي سالم وبوحمرة إضافة إلى عدة أحياء ببلدية سيدي عمار، أين وجدناها غارقة في فوضى البنايات العشوائية التي باتت تنتشر أكثر فأكثر مع مرور الوقت لتصير فنّا يستهوي البطالين من الشباب والعاملين منهم كذلك، كلّ حسب مجاله المفضّل، فهناك من حبّذ بيع المواد الغذائية ومنهم من قام بإنشاء صالة حلاقة داخل موقف سيارات بسيدي عمار، بينما انساب معظم الشباب إلى فكرة فتح أكشاك مخصصة للتبغ والكبريت خاصة وأن بعضها محاذية لمقرات بعض البلديات، أو مطاعم وغيرها من مجالات التجارة الأخرى التي تجلب لهم ربحا سريعا من غير التفكير في تسديد أجور الكراء أو فاتورات المياه والغاز، يجدر الذكر أن مصالح الفرقة المحلية التابعة للدرك الوطني بعنابة قد أثبتت حقيقة الأمر بإجرائها لتحريات معمّقة حول الموضوع. أين توجهت ذات الفرقة خلال وقت سابق إلى أحياء سيدي عمار إثر بلاغات متعددة تلقتها من طرف السكان والمواطنين لتسفر التحقيقات عن إحصاء أزيد من 15 محلا تجاريا شيّد بدون رخصة سنة 2016 فيما تضاعف العدد مع مرور الوقت دون اتخاذ قرار الهدم في حقّهم رغم أنهم ينشطون بطريقة غير شرعية أمام مرأى الجميع، وهو الأمر الذي يأتي بالتزامن مع التعليمات الصارمة التي أمر بها مسؤول الجهاز التنفيذي للولاية، حيث دعا في جملة من المناسبات بضرورة تكفل المنتخبين المحليين بالملفات ذات الأولوية وذلك للدفع بوتيرة التنمية إلى الأمام، مشددا بدوره على إلزامية تواجدهم الدائم في الميدان واحتكاكهم المباشر بالمواطنين إضافة إلى إصغائهم لجميع الانشغالات من أجل خدمة الشعب مع التحلي بروح المسؤولية والسهر على المصلحة العامة للمواطنين بغرض تحسين الأوضاع وتفعيل الحركة التنموية بما يتماشى مع تطلعاتهم، مبرزا بدوره من خلال التعليمات التي وجهها للأميار إلزامية القضاء على البنايات الفوضوية التي باتت تشكّل خطرا كبيرا يحدق باستراتيجية التنمية للولاية، خاصة منها المنشأة حديثا، حيث على الرغم من دعوة محمد سلماني للمسؤولين بالخروج من مكاتبهم والعمل في الميدان إلى جانب تنظيم زيارات تفقدية لمعاينة مختلف النقاط السوداء التي تشوّه المنظر الجمالي لأحياء البلديات، تبقى هذه الأخيرة معلقة في بعض بلديات عنابة أملا في تجسيدها واقعيا على أرض الميدان في انتظار نهوض بعض الأميار من «سباتهم» وشروعهم في تطبيق القوانين من أجل تخليص شوارع بلدياتهم من جملة المشاكل التي تتخبط فيها، كما يجدر الذكر من ناحية ثانية بأن المسؤول الأول عن ولاية عنابة قد أطلق قبل أشهر مخططا يقضي بتهديم البنايات الفوضوية والقصديرية التي تم بناؤها بطرق غير شرعية، أين دخل حيز التنفيذ بتنصيب لجنة خاصة لمتابعة العملية من خلال توفير كافة الوسائل المادية والبشرية عن طريق تسخير الجرافات والشاحنات إلى جانب تجنيد أعوان البلديات لتهديم كل بناية هشة خاصة منها المشيّدة حديثا، في انتظار التحاق البعض من الأميار بقطار الخدمة للدفع بعجلة التنمية.