تثير الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت الجيش وعناصر الأمن بعين الدفلى علامات استفهام كبيرة حول تطورات الوضع الأمني والأهداف الحقيقية التي تنطوي عليها محاولات التصعيد الأمني الذي يقوم به الفرع المغاربي للقاعدة، هل يتعلق الأمر فقط بعمليات معزولة وشاذة لإحداث صخب إعلامي، أم هو السعي لإعادة بعث نشاط »القاعدة« بعد مرحلة اتسمت بتراجع العمليات الإرهابية وسقوط عدد كبير من رؤوس تنظيم عبد المالك درودكال؟. عاد الإرهاب ليضرب مجددا في عين الدفلى، فبعد قرابة اليومين من الاعتداء الإرهابي الذي خلف مقتل 09 جنود، وفق حصيلة رسمية، تحدثت مصادر عليمة عن مقتل ثلاثة من أفراد الدرك بالرصاص في عين الدفلى غربي الجزائر، وأفادت المصادر أن مجموعة إرهابية مجهولة العدد هاجمت سيارة كان على متنها 4 من عناصر الدرك، ما أدى إلى مقتل 3 منها وإصابة الرابع، ويرجح أن تكون المجموعة المعتدية مرتبطة بتلك التي نفذت الاعتداء على جنود الجيش الجمعة الفارط. وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية أول أمس الأحد مقتل 9 جنود وإصابة اثنين آخرين إثر تعرضهم لإطلاق نار من مجموعة إرهابية مساء الجمعة الماضي بولاية عين الدفلى.وقالت في بيان لها أنه »على إثر عملية بحث وتمشيط بمنطقة جبل اللوح بسوق العطاف بولاية عين الدفلى بإقليم الناحية العسكرية الأولى تعرضت يوم ال17 من جويلية مفرزة للجيش الوطني الشعبي لإطلاق نار من طرف مجموعة إرهابية«، وأضافت أنه »فور وقوع هذه الجريمة، تم تطويق المنطقة ومباشرة عملية تمشيط واسعة ومطاردة هؤلاء المجرمين واكتشاف مخابئهم وتدميرها«. ولم يدم وقتال طويلا حتى أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تبنيه للهجوم في بيان على شبكة الانترنيت، زعم من خلاله ا أنه قتل 14 جنديا، وأكد أن المهاجمين غنموا أسلحة وذخائر وانسحبوا دون وقوع إصابت في طرفهم. وبدا وضاحا أن حصيلة الاعتداءات الإرهابية لم تكن متوقعة أو منتظرة بالنظر إلى التحكم التام في الوضع الأمني، خاصة في منطقة عين الدفلى، وقياسا أيضا بالنتائج الباهرة التي حققها الجيش في مطاردة فلول الإرهاب خاصة في الأشهر الأخيرة، فاعتداء عين الدفلى الذي يرفع عدد الضحايا وسط قوات الجيش والأمن إلى قرابة ال 15 ضحية، يعد الأعنف والأثقل منذ آخر هجوم حدث في 17 أفريل من العام المنصرم، حيث اغتالت مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بعد يوم واحد من إجراء الانتخابات الرئاسية، 16 جنديا كانوا عائدين من تأمين الانتخابات الرئاسية في منطقة جبلية بالبويرة بمنطقة القبائل. وإذا ما استثنينا محاولات متفرقة هنا وهناك، عجزت المجموعات الإرهابية التابعة للفرع المغاربي للقاعدة في تنفيذ عمليات نوعية ضد الجيش وقوات الأمن، فالأشهر الأخيرة سمحت للجيش بإحكام سيطرته خاصة في المناطق التي كانت في منتصف التسعينيات تعتبر معاقل للإرهاب على غرار منطقتي القبائل وعين الدفلى، وحققت قوات الجيش ومصالح الأمن نتائج باهرة في مطاردة فلول الإرهاب، وأعلنت وزارة الدفاع الوطني مؤخرا عن حصيلة ثقيلة للعناصر الإرهابية التي تم تحييدها في السداسي الأول من السنة الجارية (2015) وأعلنت قيادة الجيش القضاء على 102 إرهابيين، 25 منهم دفعة واحدة في عملية نوعية في منطقة البويرة، شرقي العاصمة، يرجح انتماءهم للتنظيم المسمى »جند الخلافة« الذي أعلن بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام »داعش«، مباشرة بعد خطف ثم نحر متسلق الجبال الفرنسي هيرفي غوردال. اللافت أن الاعتداءات الإرهابية المتتالية التي شهدتها عين الدفلى جاءت مباشرة بعد تهديدات أطلقها »دواعش« من منطقة الرقة السورية، كفروا من خلالها الشعب الجزائري وهددوا باجتياح الجزائر وأنهم لن يتوقوا حتى يبلغوا الأندلس »اسبانيا«، فقد تكون هناك علاقة ولو غير مباشرة بين محاولات التصعيد الإرهابي وهذه التهديدات، خاصة إذا ما قمنا بربط المسألة بسيناريو أكبر يستهدف أمن واستقرار الجزائر، فالقيام باعتداءات متتالية في عين الدفلى في شمال الجزائر، يأت في وقت تركز فيه السلطات اغلب جهودها على تأمين الحدود الجنوبية مع مالي والشرقية مع كل من ليبيا وتونس. وبرأي العديد من المتتبعين لوضع الأمني، فإن اعتداءات عين الدفلى علاقة برغبة الفرع المغاربي للقاعدة فك الحصار على عناصره المحاصرين في جبال المدية، وتخفيف الضغط أيضا على معاقل جماعات درودكال بمنطقة القبائل، خصوصا نواحي البويرة التي تعرف من حين لآخر علميات تمشيط واسعة النطاق، يضاف ذلك إلى الرغبة في إحداث صخب إعلامي ، لكن يبدو من جانب أخر أن الفرع المغاربي للقاعدة يحاول العودة إلى الواجهة عبر عمليات نوعية دامية، فالاعتداءات المنفذة ضد عناصر الجيش والأمن يتخذها كوسيلة لاسترجاع مصداقيته، خاصة في ظل النزيف الحاد بين صفوفه والتحاق عناصر تابعة للتنظيم بمجموعات إرهابية تدين بالولاء لتنظيمات إرهابية تنشط في الخارج، على غرار تنظيم أبو بكر البغدادي"داعش".