بات الأمر واضحا أن أوروبا تشهد هجمات إرهابية بوتيرة متصاعدة، ما يرشح بقوة فرضية الذئاب المنفردة، التي تغذيها العديد من الأسباب، التي جعلت أوروبا بمثابة القارة الحاضنة طبيعيا لهذه الذئاب. قبل استهداف مطار بروكسل 2016، وقبل تفجيرات باريس 2015، وهجوم نيس 2016، وهجمات ميونيخ 2016 ، شهدت أوروبا حالات إرهابية أخرى مثل الهجمات التي نفذها محمد مراح في تولوز عام 2012 ، ثم هجوم الإخوة كواشي على شارلي إيبدو عام 2015، ثم قام أحمد كوليبالي بعملية إرهابية في نفس السنة، وفي ذات السنة أيضا تعرض مصنع للغاز أمريكي فرنسي للهجوم، وفي السنة نفسها كذلك تعرض قطار من أمستردام إلى باريس للهجوم. ما يعني أن الهجمات الإرهابية في تصاعد مستمر في أوروبا. وقد انقسم المحللون بشأن الهجمات الإرهابية التي تستهدف أوروبا خلال السنوات الأخيرة، بين من يؤكد نظرية الذئاب المنفردة وبين من ينفيها. ففي الوقت الذي تعمل فيه السلطات الحاكمة في أوروبا على التسويق بأن الأعمال الإرهابية في أوروبا معزولة ولا علاقة لها بتنظيمات إرهابية كبرى مثل القاعدة وداعش، بهدف إضفاء الطمأنينة عند مواطنيها ورفع معنويات الأجهزة الأمنية حتى لا يتم الإعتقاد بأن هناك ضعف أمني أو اختراق أمني لأجهزة الأمن في أوروبا، يرى الكثير من الخبراء أن الهجمات التي استهدفت أوروبا لها علاقة بالتنظيمات الإرهابية وليست أعمال معزولة. الذئاب المنفردة: عنوان الإرهاب الجديد إن مصطلح "الذئاب المنفردة" حسب الكثير من المتتبعين للشأن الأمني، أطلقه تنظيم داعش في 2010، حيث يتم تحريض مجموعة من الأشخاص على تنفيذ أعمال إرهابية بشكل منفرد، بسبب صعوبة النشاط أو تحرك الإرهاب في شكل جماعات، وبالتالي فإن القيام بأعمال إرهابية بشكل منفرد يكون أسهل. والذئاب المنفردة هم أفراد يعيشون في عدة دول لا تقع تحت سيطرة داعش، أي لا يعيشون في ليبيا أو سوريا أو العراق، مثل المتطرفين الذين يعيشون في بلجيكا أو فرنسا أو ألمانيا أو غيرها من الدول. وفي 2010 قدم تنظيم القاعدة في اليمن وصفة إرهابية بعنوان : كيف تصنع قنبلة في مطبخ أمك؟ ودعا المتعاطفين معه في الدول الغربية إلى القيام بعمليات إرهابية فردية هناك. وهذا ما يؤكد أن ما يحدث في أوروبا له علاقة فعلية بالتنظيمات الإرهابية الكبرى مثل داعش والقاعدة. ونقلت وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية المختلفة أن أمير داعش أبو بكر البغدادى أطلق مصطلح "الذئاب المنفردة"، في منتصف نوفمبر 2014 عندما دعا إلى استهداف المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية، ثم قالت مواقع إلكترونية تابعة لداعش أنها تخوض حربا جديدة عنوانها "الذئاب المنفردة جيش الدولة الإسلامية". وعلى هذا الأساس شكك الكثيرون في كون الأعمال الإرهابية الأخيرة التي شهدتها بعض الدول الأوروبية أحداثا معزولة، يكفي أن يقوم تنظيم داعش بتبني العملية، وتصويرها وبثها في مواقعه الإلكترونية. والحقيقة أن الذئاب المنفردة أضحت أخطر على أوروبا، لأنه من السهل تفكيك جماعات إرهابية، لكن من الصعب أن يصبح كل مواطن أو مهاجر أو لاجئ إرهابي لدى أجهزة الأمن الأوروبية، ومن الصعب جدا توقع العمليات الإرهابية بسبب بدائية الطرق التي تستعملها الذئاب المنفردة في عملياتها الإرهابية، مثل الدحس بالشاحنات وإطلاق النار داخل التجمعات، أو الطعن بالخناجر أو زرع المتفجرات وغيرها. ولأن الحرب الإرهابية الجديدة تعرف باسم "الذئاب المنفردة" فإن التنظيمات الإرهابية لم تعد تعتمد على الوسائل التقليدية للتجنيد، بل أضحت تعتمد على وسائل إعلام فردانية وليست جماهيرية مثل الأنترنيت وشبكات التواصل الإجتماعي. وقد نقلت وسائل إعلام إلكترونية أن تنظيم الدولة أو داعش يمتلك أكثر من 90 ألف صفحة على موقع فيسبوك وتويتر باللغة العربية، و40 ألفاً صفحة بلغات أخرى. وربما تكون أوروبا هي القارة التي تحتضن الذئاب المنفردة لأن هناك عدد كبير من المقاتلين الأجانب ينتمون لجنسيات مختلفة من دول أوروبية في تنظيم داعش في سورياوالعراق وليبيا، وعندما يعودون إلى بلدانهم الأصلية متشبعون بالأفكار الجهادية فليس مستبعدا أن يتحولوا إلى ذئاب المنفردة ويكونون خلايا تابعة لداعش، وتبعا لتعليمات البغدادي فإنهم لا يتلقون أي تعليمات أو أوامر من التنظيم للقيام بعمليات إرهابية. ويرى الكثير من المحللين والمتتبعين للشأن الأمني أن هجوم متحف بارودو في تونس وهجوم سوسة قامت به الذئاب المنفردة، ونفس الشيء للإهجمات افرهابية في باريس ونيس وبروكسلوميونيخ في ألمانيا وغيرها كثير. عوامل تغذية الذئاب المنفردة عندما نحاول فهم خلفيات التصعيد الإرهابي للذئاب المنفردة في أوروبا، نلاحظ أن هناك جملة من العوامل تغذي تكاثر هذه الذئاب من بينها: 1- وجود أوروبيين في صفوف داعش يقاتلون في ليبيا وسورياوالعراق، ولديهم قدرات على التواصل عبر شبكات الأنترنيت مع نظرائهم في أوروبا، ما يعزز احتمال ميلاد الذئاب المنفردة في أوروبا. وفي وقت سابق نشرت وسائل الإعلام الأوروبية أرقاما حول عدد المقاتلين العرب والغربيين في صفوف داعش، كشفت أن بلدان الخليج العربي، والأردن، يأتون في المرتبة الأولى، وأفريقيا في المرتبة الثانية، بينما عادت المرتبة الثالثة للأوروبيين بنحو 2000 مقاتل، وجاءت بريطانيا في المرتبة الأولى بنحو 500 مقاتل، تلتها فرنسا ثم بلجيكا ثم ألمانيا ثم هولندا. كذلك نشرت صحف أوروبية أن النساء يشكلن نحو 10 في المئة من مجموع المقاتلين الذين يلتحقون بداعش، وترتفع نسبتهن في فرنسا إلى 25 بالمئة. وأكدت مصادر أمنية بريطانية أن نحو 50 فتاة وامرأة من بريطانيا التحقن بصفوف داعش في سوريا ، كما أكدت مصادر أمنية ألمانية أن نحو 40 فتاة من ألمانيا التحقن بداعش. 2- تورط الحكومات الأوروبية في الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة العربية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام، وهو ما يمكن أن يولّد روح الإنتقام عند الأوروبيين من أصول عربية أو شرقأوسطية، فيتحولون إلى ذئاب منفردة ينتقمون للوضع في بلدانهم. 3- استقبال أوروبا للعديد من المهاجرين في السنوات الأخيرة، خاصة على خلفية أحداث الربيع العربي، الأمر الذي يرشح بعضهم كي يتحولوا لذئاب منفردة في حالة تبخر حلمهم من الهجرة. فألمانيا استقبلت حوالي 750 ألف لاجئ، واستقبلت فرنسا بدورها نحو 350 ألف لاجئ، واستقبلت بريطانيا نحو 170 ألف لاجئ. 4- فشل سياسات إدماج ذوي الأصول العربية أو الإفريقية والإسلامية في المجتمعات الأوروبية ما جعلهم بمثابة مواطنين من الدرجة الثانية رغم حملهم جنسية أوروبية ومولودون في أوروبا وكثير منهم لم يزوروا بلدانهم الأصلية أصلا. 5- تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا المعادي للأجانب مثل حركة " البيجيدا في ألمانيا"، التي قامت في عام 2015 بعدة مظاهرات ومسيرات وحركات احتجاجية ضد الاجانب. الأمر الذي يغذي لدى الأجانب النزعة في التحول لذئاب منفردة. 6- فشل سياسات التعامل مع المهاجرين، ففي ألمانيا مثلا يوجد ما لا يقل عن 11 مليون مهاجر ، وبلغ عدد المواطنبن الألمان من أصل أجنبي نحو 17 مليون مواطن، ما يمثل نسبة 20 بالمئة من السكان الألمان البالغ عددهم نحو 81 مليون نسمة. ويقدر عدد المسلمين في المانيا بنحو 4.7 مليون. وينطبق هذا التوصيف على فرنسا التي تحصي ما لا يقل عن 10 مليون من أصول إسلامية. وهكذا يمكن القول أن أوروبا أصبحت القارة الحاضنة الطبيعية للذئاب المنفردة، وينبغي عليها إعادة النظر في الكثير من السياسات المنتهجة داخليا وخارجيا.