كثير من الإقصاء والتخوين في الجدل القائم بين من يحسبون على نخبة المجتمع، وعلى عكس التعايش الذي كرسته الثورة السلمية بين مختلف التيارات الفكرية ، فإن النخبة تبدو مقطوعة الصلة بما يجري في المجتمع من تحولات، وهي غير قادرة على استيعاب ما حققته الثورة السلمية على صعيد تعزيز تماسك المجتمع وانسجامه. لقد أظهرت المسيرات التي التي تعم البلاد منذ 22 فيفري أن الخنادق الإيديولوجية التي حفرت طيلة العقود السابقة لم يعد لها وجود إلا في أذهان مثقفين وساسة فشلوا في التعايش مع عالم القرن الحادي والعشرين، فالشباب الذي أطلق الثورة السلمية وهو يخوضها باقتدار وذكاء وإبداع، تجاوز الاصطفافات الإيديولوجية القديمة وانطلق من قاعدة أساسية مفادها أن الهدف الذي يجب أن يجتمع الجزائريون جميعا هو بناء دولة المواطنين الذين يعيشون متساوين تحت ظل القانون، في حين ينطلق الإيديولوجيون من بقايا عهود مضت من تصوراتهم الضيقة نحو بناء دولة التمييز والإقصاء، بل إنهم لا يعتنقون منطقا سلطويا لا علاقة له ببناء الدولة، ويختزلون الأمر كله في الانتخابات التي يعتقدون انها ستمنحهم حق الوصاية على المجتمع. الجيل الذي أطلق الثورة السلمية منفتح على القيم الإنسانية، ويأخذ بوسائل عصره، وقناعاته بالعيش المشترك التي تجلت في سلوك المتظاهرين خلال الشهور الثلاثة الماضية، هي العلامة الأكثر وضوحا على تجاوز التقسيمات التقليدية التي كادت تعصف بوجود الكيان الجزائري في العقود القليلة الماضية. لكن في مقابل هذا تقف "النخب" عاجزة عن استيعاب هذا التحول العميق في المجتمع، وهي الآن تريد قراءة الواقع الجديد انطلاقا من أفكار متجاوزة ، والأسوأ أنها تصر على إقصاء كل رأي مخالف، وتحاول أن تثير الشبهات حول أهداف ونوايا من تختلف معهم، وقد أدى هذا إلى ازدهار مخيف لنظرية المؤامرة التي تعكس كسلا فكريا واصطفافا ايديولوجيا بليدا. لقد وصل الأمر إلى حد تخوين ملايين الجزائريين ووصفهم بالغباء وبأنهم تحولوا إلى مجرد قطعان تقودها جهات مجهولة، أو تسيرها فرنسا وأذنابها، وهذه إهانة للجزائر التي استعادت سيادتها بفضل تضحيات الشهداء. إن منطق التخوين والنظر إلى الجزائريين بازدراء يعكس إفلاسا فكريا وأخلاقيا، وهو في النهاية محاولة يائسة لوقف حركة التاريخ.