في محاولة لتخليد مآثر وبطولات الشعب الجزائري وتسجيلها لتكون عبرة للأجيال اللاحقة، صدر عن دار بهاء الدين للنشر والتوزيع بقسنطينة، كتاب ”المجاهدون ومعارك الكرامة بولاية ميلة إبان الثورة التحريرية الجزائرية 1954/ 1962” من تأليف الدكتور الصادق مزهود. يتناول هذا الكتاب الجديد جانبا هامًّا من تاريخ الثورة التحريرية بالناحية الثالثة (ولاية ميلة حاليا) من خلال التطرق لسير 143 مجاهدا من مجاهدي الثورة التحريرية بمنطقة ميلة، حيث يُقدّم المؤلف بالصور والوثائق والتفاصيل كل الأحداث التي شهدتها تلك المنطقة من الجزائر خلال حرب التحرير الخالدة. وقد صدر هذا المؤلّف بمساهمة الأمانة الولائية للمجاهدين والجمعية الثقافية 20 أوت لحماية وتخليد مآثر الثورة بولاية ميلة، وهو يدخل ضمن سلسلة من المنشورات التي تحاول تسجيل تاريخ الثورة التحريرية بالاستعانة بشهادات أولئك الذين ساهموا في صناعته من مجاهدي ثورة الفاتح نوفمبر 1954. وبحسب ما خلص إليه المؤلف، فإنّ أهمّ ما ميّز هؤلاء المجاهدين هو اشتراكهم في بيئات جغرافية متجانسة من حيث كونها بيئات فقيرة لم تمنعهم من مقارعة ذلك المستوطن المتسلّط الوافد من وراء البحر للعبث بمقدرات الأرض، وحرمان أصحابها الحقيقيين من أبسط الحقوق كالتعليم والصحة والعيش الكريم. كما خلص الكتاب أيضا إلى أنّ الخلفية الثقافية والعلمية لهؤلاء الشباب، هي خلفية بسيطة في شكلها، لكنّها عميقة في مضمونها، فهي لا تعدو أن تكون سوى بعض الآيات من القرآن الكريم التي حفظوها عن ظهر قلب في كتاتيب منطقة ميلة، ولكنّها في جوهرها بعيدة المرامي والأهداف، لأنّها تُعبّر عن عمق حضاري مشفوع بالإيمان المرصّع بالأخلاق الفاضلة وشيم المروءة والإباء، يُضاف إليها أفكار الحركة الوطنية التي تدعو إلى غد أفضل من خلال ثورة عارمة، تزعزع دعائم المستعمر وتقوّض أركانه. وقد اعتمد المؤلف في صياغة هذا الكتاب التاريخي الهام على جمع المعلومات من أفواه المجاهدين وتسجيل شهاداتهم وترتيبها وتنقيحها، كما عمل على ترتيب المعارك الخاصة بكلّ مجاهد حسب التسلسل التاريخي لها، وهو الأمر الذي استغرق وقتا طويلا قضاه الدكتور الصادق مزهود في الاستماع إلى تلك الشهادات وتسجيلها، خاصة وأنّ بعض مجاهدي المنطقة كانوا من الطاعنين في السن، ما جعلهم ينسون الكثير من تفاصيل وتواريخ المعارك التي خاضوها. ورأى المؤلف أيضا أن يقوم بصياغة الكتاب وفق منهجية تعتمد على تقسيمه إلى ثلاثة فصول مرتبة ترتيبا أبجديا حسب ألقاب المجاهدين. كما زوّده بمدخل تناول فيه الموقع الجغرافي والمظهر التضاريسي لولاية ميلة، أتبعه بلمحة تاريخية عامة سرد فيها الظروف التي أحاطت بتشكُّل الوعي الوطني بعدالة قضية التحرُّر وضرورتها. ويستمدّ هذا الكتاب أهميّته أيضا من مجموع الملاحق التي تضمّنها، وهي عبارة عن صور ووثائق تتعلق ببعض الخرائط التي ترصد الأماكن التي جرت فيها المعارك وبعض القرى الاستيطانية التي عرفت هجومات على مراكز الجيش الفرنسي.