شارفت الدراسة التقنية المتخصصة لترميم وإعادة الاعتبار لمنارة بن قوت، أحد أبرز المعالم الأثرية على مستوى قصبة دلس العتيقة (63 كلم شرق بومرداس)، على الانتهاء، حسبما علم من مدير الثقافة المحلي. وستسمح هذه الدراسة، التي ستسلم قبل نهاية 2018 والموكلة لمكتب دراسات متخصص، مثلما أوضحه قوديد عبد العالي، بتحديد وبدقة وضعية هذا المعلم والإجراءات أو الأشغال الاستعجالية لوقف تدهوره، خاصة وأن وضعيته زادت سوءا جراء زلزال 21 ماي 2003. وتبقى عملية إنجاز الأشغال التي ستحددها هذه الدراسة مرهونة برفع التجميد عن التمويل، وفق المسؤول، الذي أكد أن جهودا حثيثة تبذل في هذا الإطار لإقناع المعنيين بأهمية تمويل عملية رد الاعتبار لهذا المعلم المشهور باسم برج فنار، مشيرا إلى وجود إشارات إيجابية حول هذه المساعي. للتذكير، خصصت السلطات المحلية في الثلاثي الأول من 2018 غلافا ماليا ضمن المخططات البلدية للتنمية أو ميزانيتي البلدية والولاية من أجل ترميم وإعادة بناء ما هدم من هذا الصرح التاريخي ضمن عملية التكفل بعدد من المعالم الأثرية التي تزخر بها هذه المدينة العتيقة. ويبقى هذا المعلم التاريخي، الذي سجل في قائمة الجرد للممتلكات الثقافية العقارية للولاية، شامخا بطرازه المعماري الرفيع وموقعه الفريد المطل من الأعالي على خليج البحر ويشد أنظار الزائرين من كل الاتجاهات ويراه البحارة وربان السفن من كل الجوانب، رغم ما آلت إليه حالته من سوء وتدهور. ويرجع عدد من المؤرخين، وفقا للوثائق التي تحوزها مديرية الثقافة، تاريخ تشييد هذا الصرح الراقي الذي يعد من بين 25 منارة أخرى شيدت على مستوى الوطن ما بين 1886 و1954 من طرف المحتل الفرنسي إلى نهاية القرن ال19، وبالضبط سنة 1881، أي بعد أزيد من 40 سنة من احتلال مدينة دلس. وتحمل هذه المنارة التاريخية إلى اليوم اسم مصممها الهندسي بن قوت، الذي لم تتوفر حول حياته و أعماله أية تفاصيل أخرى. وأنجزت منارة برج فنار بمنطقة البساتين الساحرة في قطعة أرض هي الأعلى والأكثر ولوجا في البحر ويحدها الميناء والقطاع المحفوظ لقصبة دلس من الشرق وقلعة قديمة من الغرب. وتعد هذه البناية البحرية، التي اقتبست هندستها من العمارة الإسلامية (منارات المساجد)، من بين أجمل المنارات على المستوى الوطني حيث يبلغ علوها، استنادا للبطاقة التقنية، 25 مترا من سطح البحر ويصل مدى أشعتها الضوئية من مصباحها الضخم إلى زهاء 95 كلم. وكان يشتغل المصباح المذكور الذي يوجد ببرج المنارة المبنية من الداخل بالرخام بقوة 6000 واط، حيث يبعث سلسلة من الومضات الضوئية للسفن البعيدة لمدة 17 ثانية بدون انقطاع ويمكن رؤية أضوائه ليلا من مرتفعات أزفون بتيزي وزو (60 كلم شرق دلس)، ومن مرتفعات الجزائر العاصمة غربا. ويحتوي طابق برج المنارة إلى حد الآن على أجهزة وعتاد ثمين معتمد في تشغيلها كأجهزة إنارة النجدة وملتقط كهربائي وهيكل دائري يدور على إناء زئبقي وعتاد مراقبة الدوران وأجهزة تزويد وشحن المصباح ومصباح غازي ومعبئ مصابيح وعدسة شبكية عاكسة وجهاز تحديد اتجاهات الرياح وأخرى لحماية البرج من الصواعق. ورغم تميز هذا الصرح بطابعه المعماري الهندسي والسياحي الذي أعطى قيمة مضافة لهذه المدينة على مدار زهاء قرن من الزمن، إلا أن الإرهاب الأعمى لم يستثنه من أعماله التخريبية حيث استهدفه ليلة ال22 فيفري سنة 1994 بقنبلة هزت وأعطبت الكثير من أركان و أسس جدرانه، حيث تطلب الأمر زهاء 6 سنوات من أشغال الترميم وإعادة البناء لتشغيله من جديد لفائدة مصالح الملاحة البحرية والجوية. التوقف في استغلال المنارة منذ زلزال 2003 بعد سنوات قليلة من عودته للتشغيل، أتى زلزال 21 ماي 2003 المدمر على ما تبقى من أجزائه القديمة، حيث تشققت البناية من كل جوانبها ليتوقف استغلالها نهائيا وتترك على حالتها إلى اليوم، حيث ازداد تدهورها من الداخل رغم بقاء الجدران من الخارج واقفة وصامدة. وبعد توقف استغلال منارة برج فنار نهائيا جراء هذه الكارثة الطبيعية، تم إنجاز أخرى بمحاذاتها بشكل استعجالي وترتفع عن القديمة بسبعة أمتار حيث من المرتقب، حسبما أفاد به مدير الثقافة، العودة إلى استغلال المنارة القديمة بعد إعادة ترميمها وإنجاز ما تهدم من أجزائها في المستقبل. ويطالب من جهة أخرى عدد من رؤساء الجمعيات على غرار جمعية قصبة دلس و نوتيلوس و الدلفين بضرورة الاستعجال في إنقاذ هذا المعلم التاريخي والعمل على تحويله إلى متحف بحري تماشيا مع طبيعة والخصائص البحرية للمنطقة للحفاظ على الكنوز البحرية والآثار التاريخية، التي هي حاليا بحوزة عدد من السكان والجمعيات بمدينة دلس وما جاورها.