رسم الخبير الاقتصادي الدكتور نور الدين جوادي واقعا مشرقا للاقتصاد الوطني،و قال في حوار مع السياسي إن الجزائر ليست في أزمة مالية قياسا بالعديد من المؤشرات معتبرا كذلك أن سعر صرف الدينار الجزائري يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية . الأستاذ المحاضر في جامعة الوادي طالب الحكومة بالتركيز على محورين أساسيين للمحافظة على موارد الدولة و احتياطاتها و هما توجيه الدعم الحكومي، والقضاء على الفساد والسوق الموازية. و في تعليقه على قرار فتح الاستيراد مع فرض رسوم إضافية وقائية، قال محدثنا : تقييد الواردات برسم عالي على استيرادها ليست بدعة جزائرية، فهي آلية تجارية شائعة الاستعمال دولياً، خاصة في الدول التي تشهد قطاعات إنتاجية فتية كالجزائر مضيفا في السياق الرسم لن يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن قياسا بسلة الاستهلاك اليومية التي تدعمها الحكومة بقوة، فكل المنتجات ال 1095 التي تضمنتها القائمة تعتبر ثانوية إذا ما قورنت بقائمة السلع الأساسية المدعمة . أسعار السلع الثانوية ستسجل ارتفاعا كبيرا ما رأيك في قرار الحكومة بفتح استيراد عدد من المواد مع فرض رسم إضافي يصل إلى 200 بالمائة؟ وكيف يمكن أن ينعكس على أسعار المنتجات المستوردة وأيضا المحلية ؟ أولاً دعني أعقب على سؤالكم بثلاث ملاحظات، أرى بأهميتها: أولاً فيما تعلق بالرسم الإضافي المقدر ب 200 بالمئة، لا يجب أن نضخم الأمور فهذه النسبة طبقت فقط على منتج واحد وهو الاسمنت ومشتقاته، أي لو قمنا بعملية حسابية سنجد أن إجمالي السلع التي طبقت عليها هده النسبة العالية هي 10 سلع أي 0.95 بالمئة من إجمالي 1095 سلعة التي خضعت للرسوم وتضمنها قرار وزارة التجارة الصادر بالجريدة الرسمية ليوم 27 جانفي 2019. وثانياً، يجب نؤكد بأن تقييد الواردات برسم عالي على استيرادها ليست بدعة جزائرية، فهي آلية تجارية شائعة الاستعمال دولياً، خاصة في الدول التي تشهد قطاعات إنتاجية فتية كالجزائر، وهو ما تؤكده قائمة المنتجات ال 1095 التي تضمنتها القائمة والتي بمجملها تقريبا أصبح الاقتصاد المحلي ينتجها. ثالثاً، توقفكم عند كلمة رسم إضافي دون اكمال الجملة كما وردت في قرار وزارة التجارة يعتبر خطأ، فالقانون أكد أنه رسم إضافي وقائي مؤقت وأعتقد أن كلمتي وقائي و مؤقت تغير منحى الكلام تماماً حول قرار وزارة التجارة هذا، وتؤكد أنها على إطلاع دائم وعميق بحالة السوق الجزائرية من حيث ما يجب اتخاذه لوقاية الصناعات المحلية ومن ثم المواطن بشكل عام، وهذا أمر يحسب لوزارة التجارة وللحكومة بشكل عام. وبالعودة إلى سؤالكم، فبطبيعة الحال أي رسم إضافي سوف ينعكس في زيادة أسعار السلع المعنية مباشرة، والسلع ذات الصلة بها بشكل وبنسبة تختلف عن قيمة الرسم المطبق، بما فيها السلع المستوردة أو السلع المحلية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتلكم السلع الخاضعة للرسم الإضافي المؤقت، ولكن ذلك لن يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن قياسا بسلة الاستهلاك اليومية التي تدعمها الحكومة بقوة، فكل المنتجات ال 1095 التي تضمنتها القائمة تعتبر ثانوية إذا ما قورنت بقائمة السلع الأساسية المدعمة. يجب ضبط قائمة المشتريات الحكومية لكبح الواردات ما هي الآليات التي تقترحونها لكبح حجم الواردات في الجزائر ؟ فاتورة الواردات مضمونا أو مبلغها في الأصل ليس مشكلاً مهما تضخمت، فمن الطبيعي أن تكون لأي دولة فاتورة استيراد من السلع الأساسية والكمالية، وحتى من السلع التي تصنعها بامتياز، وهذا خاضع لتنوع أذواق المستهلكين والتزام الدولة بتوفير كل شيء لأي شخص. وعليه، فقولكم بآليات لكبح الواردات، قولٌ يتنافى والطرح النظري والواقع الاقتصادي والقانون الدولي الذي يجرم أي مساس بحرية التجارة الخارجية، فغلق أحد بابي التجارة الخارجية ليس سهلاً، ولكن تنظيم التجارة الخارجية وإخضاعها للرقابة هو المطلوب، وإن كان هذا أيضاً لا يمثل سوى الجزء البسيط من الحل لمشكلة الإنتاج الوطني. ولربما كانت الصيغة الأفضل. وهنا تبقى السياسة الأنجع لذلك هي بناء قاعدة إنتاجية وطنية قوية توفر للسوق الداخلية غالبية السلع والخدمات بأسعار مناسبة وبجودة عالية، وبالتالي سوف يتخلى السوق تلقائيا وتدريجياً عن السلع المستوردة وتتموضع الواردات عند المستوى الأمثل. وفي هذا المجال هنالك سياسة أخرى تطبقها الكثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وهي ما يعرف ب سياسة الاسقاط وكان لها دور فعال في تطوير الصناعات المحلية ومن ثم التأثير على كفة الواردات ومن ثم الصادرات، وهي أن تقوم الحكومة دورياً بنشر قائمة من السلع والعلامات التجارية العالمية التي يمنع على مؤسسات وهيئات الدولة اقتنائها، وتعويضها بالمنتج الوطني. الأردن، تطبق هذه السياسة منذ سنوات، ومنعت كل إداراتها الحكومية خلال السنوات الماضية اقتناء حوالي 85 سلعة (مواد غذائية، مستلزمات التجهيز والأثاث، والصناعات الكيماوية ... الخ) تعويضها بالمنتجات المحلية، وهو ما دعم بقوة القطاع الصناعي المحلي الناشئ. وكذلك الصين، التي أنشأت العام 2003 ما يعرف بهيئة مركز المشتريات الحكومية المركزية وبلغ عدد المنتجات والعلامات التجارية التي اسقطتها الصين من المشتريات الحكومية العام 2015 فقط أكثر من 5000 منتج وعلامة وهو ما خلق تطوراً كبيراً في الصناعات المحلية والناشئة في تلك القطاعات. في الجزائر، ميزانية التسيير للعام 2019 قدرت 5000 مليار دج، لنتوقع النتائج الاقتصادية لو وجه هذا المبلغ الهائل لاقتناء منتجات محلية تنتجها صناعات وطنية ناشئة، وفق قائمة جزائري للمشتريات الحكومية مضبوطة وفق معطيات محددة. الحكومة مطالبة بمواجهة الفساد المالي والإداري كيف تتوقعون منحى الاقتصاد الوطني خلال 2019في ظل إعلان الحكومة تراجع احتياطي الصرف تحت 80 مليار دولار ؟ اعتقد أن منحى الاقتصاد الوطني خلال هذا العام أو ما بعده متعلق بإيجاد حل جذري وليس ترقيعي لحماية هذا الاحتياطي تحديداً وثروات الاقتصاد الوطني عموماً، وأرى أن هنالك محورين رئيسيين يجب على الحكومة العمل عليهما وبشكل عاجل، وهما: توجيه الدعم الحكومي، والقضاء على الفساد والسوق الموازية، باعتبار هذين المحورين كفيلين بتخفيف الضغط المالي على الخزينة العمومية للدولة وبالتالي المحافظة على كل موارد الدولة واحتياطاتها. فبالنسبة لملف الدعم الحكومي، اعتقد أنه بلغ مستويات لا يجب تجاوزها بفاتورة تجاوزت 17 مليار دولار وأكثر من 20 بالمئة من ميزانية الدولة، وهو رقم هائل يرهق بل ويقتل الاقتصاد الوطني، ويمتص احتياطي الصرف، وبالتالي فإن على الحكومة وبشكل عاجل التفكير جدياً في تطبيق سياسة الدعم الموجه. في المقابل، يجب على الحكومة الضرب بيد من حديد، ومواجهة الفساد المالي والإداري بقوة باعتباره يكلف الدولة مبالغ باهظة، وكذلك السوق الموازية التي يتجاوز حجمها في أقل التقديرات 3000 مليار دينار، إضافة إلى أكثر من 2000 مليار مكتنزة خارج الجهاز المالي الرسمي، وهو ما يعطل أهم مورد من موارد الدولة وهو الجباية بكامل مستوياتها، ناهيك عن ما يتسبب فيه من أضرار فادحة للاقتصاد الوطني. في الأخير، بطبيعة الحال الملف لا يقتصر على هذه المحورين، ولكن أعتقد أنهما قد يمثلان أنجع الحلول السريعة، بقدر ما يخلقان بيئة خصبة لتطبيق باقي الحلول المقترحة لتفادي نفاذ احتياطي الصرف. ما هي البدائل الواقعية للحكومة بحسبك من أجل تدارك الأزمة المالية الحالية ؟ بدائل ماذا؟ الدولة الجزائرية ليست في أزمة مالية ولن تمسها أي أزمة، فما بالك بدولة تصدر يوميا أكثر مليون برميل نفط، وتمتلك احتياطي صرف أجنبي خارج الذهب يفوق 80 مليار دولار يدرُ عليها سنوياً فوائد ما بين 2 إلى 4 مليار دولار. وما بالك بدولة اقتصادها ينمو بمعدل سنوي 3% على الأقل، ناهيك عن امتلاكه بنية تحية وبشرية هائلة و42 مليون هكتار صالحة للزراعة، وشريط ساحلي 1600 كلم وغيرها، وماذا تظن بدولة لا يتجاوز إجمالي ديونها الخارجية 4 مليار دولار. الاقتصاد الجزائري ليس بحاجة للبدائل، الحكومة وبعد انجازها العظيم في المحافظة على أمن الدولة واستقرارها هي فقط بحاجة لإشراك أكبر للكفاءات في تسيير الدولة، والقضاء على الفساد. يواصل الدينار الجزائري هبوطه الحاد في وقت اصدر فيه البنك المركزي عملات جديدة ،ما هو الحل للرفع من قيمته حسب رأيك ؟ اقتصادياً، سعر صرف الدينار الجزائري في أفضل مستوياته، وتقلباته داخل المجال الأمثل لها،والمستوى الراهن لسعر صرفه يتناسب علمياً ومتطلبات المرحلة الراهنة واللاحقة. وهنا أريد التذكير أنه لا توجد أية علاقة بين قوة العملة و قوة الاقتصاد ، فلا قوة العملة تعكس قوة الاقتصاد ولا قوة الاقتصاد تنعكس في قوة العملة، وفي العالم، توجد دول قوية وعملاتها ضعيفة، وفي المقابل هناك دول ضعيفة وعملاتها مرتفعة جدًا وتتجاوز الدولار. فاليابان، ثالث أكبر اقتصاد عالمي، تعتبر عملته أرخص العملات دولياً، وهي تقريباً في نفس المستوى مع الدينار ، بحيث بلغت العام 2017 حدود 112 ين للدولار، وأيضاً الصين، ثاني أكبر اقتصاد عالمياً، تعتبر عملته اليوان من أرخص العملات باعتبار أن قيمته تتحرك في سقف 6 إلى 7 يوان للدولار منذ التسعينيات. في المقابل، الدينار الكويتي يعتبر أغلى عملة في العالم 3 دولارات مقابل دينار كويتي واحد، في الوقت الذي يقبع فيه الاقتصاد الكويتي في المرتبة 59 عالمياً. على مقربة من الانتخابات الرئاسية،يحاول بعض المترشحين اللعب على وتر الاقتصاد من خلال إطلاق وعود انتخابية للمواطنين،في ظل المعطيات الاقتصادية الحالية،ما مدى إمكانية تجسيد هؤلاء لوعودهم ؟ أكيد تتفق معي أن تسيير اقتصاد دولة أو النهوض به لا يتم من خلال الوعود.واعتقد أن الاقتصاد الجزائري بحاجة إلى استراتيجية تنموية ثلاثية شاملة: يساهم السياسي بإطلاقها أولاً، ويعمل المتخصص الكفء على التخطيط والتنفيذ لها ثانياً، ودور الشعب أن يحتضنها ويحافظ عليها أولاً و آخراً.