خط هاتفي، سيارة إسعاف، رجال ونساء متيقظين على استعداد دائم ليهبوا لإنقاذ من هم في أمس الحاجة إلى المساعدة الطبية: إنها مصلحة الاستعجالات المتنقلة والإنعاش للمؤسسة الاستشفائية بوهران أول مصلحة من هذا النوع على المستوى الوطني. إانها 8سا 45د. رنين الهاتف يمزق الصمت الذي يعم المصلحة في بكرة هذا الصباح. بخطى متسارعة يهرع أحد الاطباء الشباب ليرد على المكالمة: الرابعة منذ بداية المناوبة. يتجهم وجهه بعد برهة من الزمن. يكتم سماعة الهاتف ويلتفت إلى الطبيبين القابعين في القاعة ليقول (حالة مستعجلة حقيقية)، كلمات توحي بأن هناك استعجالات حقيقية وأخرى زائفة. افتراض يؤكده رئيس هذه المصلحة الدكتور ابراهيم بن دلهوم، حيث أن بعض العائلات تهول من حالة مرضاهم فتستنجد بمصلحة الاستعجالات المتنقلة والإنعاش للتكفل بحالات غير مستعجلة أساسا. 62 بالمائة من التدخلات تخص حالات غير مستعجلة الفكرة في إنشاء مصلحة للاستعجالات المتنقلة والإنعاش هي إسعاف أشخاص تكون حياتهم في خطر حيث يتنقل إليهم فريق طبي مختص كون للإسعاف والإنعاش خارج المستشفيات، حيث يبدأ التدخل في مكان تواجد المريض (في مسكنه أو مقر عمله أو حتى في الشارع) ليستمر على متن سيارة الإسعاف المجهزة بكل ما يلزم ليتم إحالته إلى المصلحة الموافقة لإصابته (أمراض القلبي أمراض الأعصاب قسم الجراحة الخ) مباشرة عند وصوله المستشفى. ويقول الدكتور بن دلهوم، أن حالة القلق التي تنتاب أقرباء المرضى تجعلهم في الكثير من الأحيان يهولون من حالتهم حيث يتسرع الكثيرون للاستنجاد بخدمات المصلحة فيما يمكن أحيانا التكفل بحالتهم في في مراكز الصحة الجوارية. وتشير أرقام المصلحة أنه من بين 537 حالة التي تكفلت بها المصلحة منذ افتتاحها في جانفي 2017 (خلال 11 شهر من العمل) 206 منها فقط تعتبر حالات استعجالية حقيقية كانت فيها حياة المريض معرضة للخطر أي ما يعادل 38 حالة مقابل 62 بالمائة خصت تدخلات لإسعاف حالات لم تكن حياة المرضى فيها مهددة. ويضيف الدكتور كمال بن داود، وهو طبيب استعجالي بالمصلحة، أن أقرباء المرضى قد يخطئون في تقييم خطورة الحالة الصحية للمريض حيث يهولون الأمور أحيانا حيث يستدعون الاستعجالات ليفتح المريض نفسه الباب عند وصولهم كما يمكن أن يحدث العكس حيث يصفون حالة ليست في غاية الخطورة ليفاجأ الفريق الطبي بشخص على شفير الموت وأحيانا يصلون بعد فوات الأوان. ويعتبر أطباء هذه المصلحة أنه لا يوجد حل لهذه الوضعية باستثناء التوعية بمهام مصلحة الاستعجالات المتنقلة والإنعاش وتعميم تشخيص أعراض بعض الحالات الاستعجالية، على غرار الجلطة الدماغية والسكتة القلبية. الاستعجالات المتنقلة.. علاقات أقرب بين الأطباء والمرضى يؤكد الدكتور بن داود، وهو في العقد الخامس من العمر أمضى جزءا كبيرا من مساره المهني في مصالح الاستعجالات الطبية والجراحية، أن طبيعة العمل في مصلحة متنقلة تختلف، مضيفا أن التنقل الى بيوت المرضى يجعل الطبيب يتعرف على الكثير من الجوانب المتعلقة بحياة المريض ما من شأنه أن يحيك روابط بين الطبيب والمريض. ويضيف أن الطبيب يعيش مع العائلة قلقها وجزعها ما يجعل حفاظه على موقعه كطبيب وكفى غاية صعبة، إذ غالبا ما تنشئ روابط إنسانية مع المرضى وعائلاتهم تستمر بعد التدخلات. ويقول الدكتور رضوان ولد أعمر، وهو طبيب شاب في أول مشواره المهني، أن العمل في مصلحة الاستعجالات يجعل الطبيب يعيش جملة من المشاعر القصوى تتراوح بين قمة الفرح لانقاذ حياة شخص على شفير الموت إلى خيبات الأمل الرهيبة حين لا يملك الطبيب شيئا أمام مريض يحتضر. ويشاطر هذا الرأي الممرض الشاب محمد رضا بن شيخ الذي، يعمل بهذه المصلحة منذ حوالي 11 شهرا، إذ يعتبر أن هذا العمل مدرسة حيث تعلم في غضون بضع أشهر عن الناس والحياة أكثر مما تعلمه في حياته بالكامل. ويقول بهذا الشأن أنه يتوجب على الفريق الطبي العامل في مثل هذه المصالح، أن يتمتع بقدرة هائلة على التكيف إذ أنه يتدخل في بيئات مختلفة يتوجب عليه أن يتعامل معها بذكاء وحكمة، مبرزا أن العمل خارج المستشفى ليس بالأمر اليسير.ويعتبر هذا الممرض الشاب أن الفريق الطبي يكون عرضة لضغط كبير حيث يعلق اقرباء المرضى كل امالهم بهم فيستعجلونهم أحيانا و يحيطون بهم أحيانا أخرى، ما من شانه أن يشوش عليهم ويعيق عملهم. ويتفق الاطباء العاملون بهذه المصلحة أن هذا العمل أكثر من مجرد وظيفة يشترط أن يكون الطبيب العامل فيها شغوفا يؤمن فيها بأن لديه مهمة هي إنقاذ الأرواح والتخفيف من معاناة الناس.