صور من مسيرة 1 مارس بالجلفة بعد مرور عشرين سنة على حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتي عرفت تغيرات جذرية في المجتمع ظهرت فيها الطبقية بين أفراده، فقد ظهر جليا استفحال رجال المال نظير التسهيلات البنكية التي سمحت بسحب تلك الأموال من اجل إنعاش الاقتصاد الوطني الذي بقي هشا رغم المشاريع العملاقة والتي لم تُر على أرض الواقع المعاش، بالإضافة إلى إن الدولة صرفت طيلة هذه المدة ما يعادل ألف مليار دولار ولم يمكنها من إنشاء بنية تحتية قوية تضاهي البلدان الأخرى، لكن اللافت للنظر خلال هذه الفترة هو تحكم السلطة المطلق في دواليب النظام، فقد أصبحت أحزاب الموالاة العين الساهرة على تطبيق ما يسمى ببرنامج الرئيس وقد عرفت كذلك معارضة هشة خاضعة لقوانين هذه السلطة خاصة من ناحية الإغراءات والامتيازات لاسيما توزيع الكعكة والتي من بينها الاستوزار والكوطة البرلمانية. كما أن هذه المرحلة سمحت بظهور أحزاب مجهرية تخضع كلها لجناح السلطة، التي مررت قوانينا كثيرة تحت قبة البرلمان ودون الرجوع لاستفتاء الشعب، ولعل أهم مخاطرة قامت بها السلطة هي تعديل الدستور لصالح الرئيس حيث تم انتخابه لأربع عهدات متتالية، عرفت في مراحلها الأخيرة مرض الرئيس الذي بقي عاجزا عن أداء مهامه وبذلك استأثرت حاشيته بتسيير البلاد. ومع انتهاء عهدته الرابعة ظن الجميع أن الرئيس لن يترشح بحكم تدهور صحته، لكن المفاجأة كانت كبيرة لدى عموم الشارع الجزائري الذي لم يفهم قرار السلطة في إعادة ترشيح بوتفليقة من جديد، هذا ما جعله يخرج عن صمته يوم 22 فيفري 2019 معبرا عن رفضه للعهدة الخامسة ليسا كرها في الرئيس وإنما دعوة صريحة بأن يرتاح، لكن السلطة الحاكمة ما تزال على رأيها وهي ترشيحه لعهدة جديدة هذا ما أجج الشارع من جديد والذي خرج في مليونية في كل شوارع ولايات الجزائر يوم 1 مارس 2019 مطالبا بإنهاء حكم الرئيس المنتهية ولايته. هذه التصادمات بين الشعب والسلطة وصلت إلى مفترق الطرق من الممكن أن تكون نهايته وفق ما تقتضيه إرادة الشعب أو إرادة السلطة التي تدخل الجزائر في دوامه لا يمكن معرفة عواقبها، ورغم أن مفاتيح الحل بيد السلطة التي ستكون مخيرة بين العديد من السيناريوهات ولعل الأبرز منها وهو ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة جديدة ضاربة بذلك عرض الحائط مطالب الشعب مما قد يسبب احتقانا متزايدا في الشارع يؤدي في اغلب الحالات إلى ما لا يحمد عاقبته، ويتحملها بذلك غالبية الشعب، أما السيناريو الثاني وهو إيجاد شخصية توافقية بين السلطة والمعارضة من اجل إخراج الوطن من مأزق التشرذم وضخ دماء جديدة والخروج من أزمة الشعب والسلطة وتستمر بذلك مرحلة بناء الدولة، أما السيناريو الثالث وهو حل كل المجالس بما فيها البرلمان والدخول في مرحلة انتقالية تسيرها حكومة توافق وطني ليتم بعدها إعداد دستور جديد والتحضير لانتخابات رئاسية مقبلة تكون مآلاتها واضحة وهي بداية الجمهورية الثانية والتي تُجهل معالمها... المشهد الأخير الذي يبقى راسخا في أذهان الجزائريين دائما وهو أن ثورة المليون ونصف المليون شهيد انتهت باستقلال الوطن من الاستعمار الفرنسي، لكن الثورة السلمية مع نهاية شهر فيفري ومطلع شهر مارس من عام 2019 استطاع من خلالها الشعب الجزائري أن يثبت بطريقة حضارية مدى ارتباطه بالوطن، لان هذا الشعب الذي لم يغادر وطنه أيام العشرية السوداء لن يتخلى عنه في أزمة الاحتكام لمصيره والدفاع عن شرعيته وشرعية الشهداء.