من مسيرة 8 مارس بالجلفة ثورة البيان هذه الثورة السلمية التي استلهمت أفكارها من بيان أول نوفمبر 1954 استطاعت أن تجمع الملايين من الجزائريين الذين خرجوا رافعين أمالاهم وآلامهم على أكتافهم ليسيحوا في شوارع الوطن مطالبهم التي علت حناجرهم وصدحت ودوت في سماء الجزائر ألا عهدة خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة معلنة بذلك عدم الرجوع والتراجع إلى حين تحقيق الحلم الذي ظهرت بشائره بعدما كسر هذا الشعب العظيم حاجز الصمت والخوف من نظام علق أحلام شعبه على مشجب الإرهاب فلا يمكن لأي وطني غيور أن يخرج إلا وخُوّف بسنين العشرية السوداء والحمراء. لكن في هذه المرة كانت الذخيرة الحية التي فجرت الساحات هي الشباب الذي انتزع مشعل الحرية من قبضة السلطة رافعا شعارات عبرت عن حبه للوطن ، هذا الشباب الذي ارتبط دائما في نظر السلطة بالتخريب والتكسير أعطى ولأول مرة دروسا في التربية والأخلاق والوطنية. تزامنت هذه الثورة السلمية مع رسالة الجيش الوطني الشعبي في مجلة الجيش والتي كانت بليغة جدا وهي أن "ما حققه جيشنا على أصعدة عدة و وقوفه اللامشروط الى جانب أمته في كل ما مرت به البلاد من محن وأزمات، أكد على مدى تماسك الشعب مع جيشه وتلاحمهما وترابط مصيرهما وتوحد رؤيتهما للمستقبل" شعار الثورة "لا صومام لا ايفيان نوفمبر هو البيان" له دلالة تاريخية كبيرة وهو مدى تطور الوعي لدى شباب الثورة، فقد عرف أن الثورة التحريرية قد تم تحويل مسارها من خلال ما جاء في مؤتمر الصومام الذي غير أهدافها ومعالمها الأساسية خاصة العروبة والإسلام بالإضافة إلى اتفاقية ايفيان التي حافظت على امتيازات الفرنسيين في الجزائر من خلال البنود السرية التي لا يعلمها الجزائريون لحد هذه اللحظة، والمفارقة العجيبة أن الشعب الذي خرج أراد أن تكون ثورته كعربون وفاء لمن صاغوا بيان أول نوفمبر الذين استشهدوا في معركة الوغى ضد المستعمر الفرنسي، ولعل من أبرزهم الشهيد العربي بن مهيدي الذي سقط في 04 مارس 1957 والذي تزامنت ذكرى استشهاده مع هذه الثورة السلمية... سلمية الثورة وانتهائها بتحقيق مطالب الشعب حلم يتمناه أي جزائري ليصل بوطنه إلى سفينة النجاة وان يتحرر من تبعيته لسلطة بعيدة عن الوطن تتحكم في خيراته ولنظام يأتمر بأوامرها لكن ما يخشاه كل جزائري أبي أن نكون كشعوب أخرى سرقت منها ثوراتها ونهبت منها بلدانها... الشعب الجزائري قال كلمته في الشوارع والميادين لكن تبقى الكرة في أيدي السلطة التي لها خيارات عديدة من الممكن أن تنقذ بها الوضع الراهن والتي من بينها تطبيق المادة 102 من الدستور المعدل عام 2016 والتي تنص على انه "إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع". ليتولى بعدها رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة بالنيابة لمدة لا تزيد عن 45 بعد إعلان البرلمان ثبوت المانع. أما في حالة استمرار مرض رئيس الدولة بعد ذلك، فذلك يعني استقالته ثم شغور منصبه الذي يتولاه رئيس مجلس الأمة من جديد لمدة لا تزيد عن 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد. أما الخيار الثاني وهو رفض ملف المترشح عبد العزيز بوتفليقة من طرف المجلس الدستوري بداعي الحالة الصحية للرئيس ويبقى ساعتها الطريق مفتوحا أمام الشعب في اختيار المترشحين الذين يقبلهم المجلس الدستوري لتكون بذلك الخيارات في يد السلطة والشارع يبقى سيد الموقف خاصة وانه يسير هذه المرحلة التاريخية المهمة. من خلال هذه الثورة السلمية نعتقد ونتأمل أن الدماء التي سقيت بها ارض الجزائر الطاهرة في ثورة المليون ونصف المليون شهيد تتجدد اليوم مع ثورة البيان التي استلهمت أفكارها من بيان أول نوفمبر وثورته ولا يمكن لوطن ساقته الأقدار أن ينتصر على عدو جثم على صدره لأكثر من قرن ألا ينتصر على منظومة لم تستطع الاستثمار في مقومات الأمة طيلة نصف قرن، لهذا آن لهذا الشعب آن يصنع مستقبله بيده...