بالفعل يرحل الكبار وتبقى عطاءاتهم حية تشع بروح انجازاتهم المميزة التي تثري حياتنا وحياة الأجيال المقبلة، ولعل من بين القامات الإعلامية التي فقدناها مؤخرا برحيلها عن الحياة، نجم الصحافة الرياضية محمد صلاح، الذي يعد من بين روادها الأوائل بعد الاستقلال، حيث ترك بصمته في كل محطة مر بها من خلال أثير القناة الإذاعية الأولى الناطقة باللغة العربية، وتكون على يده أجيال من الصحافيين في تخصص الصحافة الرياضية، لم يبخل عليهم بخبرته وتجربته ولا بتوجيهاته الثمينة، رحل صلاح ومازال صوته في ذاكرة الجزائريين بصوته القوي النابض بحرارة الوطنية بعدما قدم تعليقا بطعم الفوز، لا ينسى عن مباراة الفريق الجزائري الألماني في بطولة كأس العالم لكرة القدم.لم يكن محمد صلاح صحافيا محترفا وإعلاميا مولعا بعالم الرياضة الساحر فقط، بل كان مثقفا ينبض بالروح الوطنية التي كان متشبعا بها إلى أقصى درجة، صلاح لم تغريه العروض الخارجية للعمل في قنوات أجنبية مفضلا مواصلة عطائه لوطنه ومنح خبرته للأجيال الشابة، و بمهنية عالية عمل بجد واحترافية سواء ما تعلق بالتعليق على مباريات كرة القدم، حيث رافق الفريق الوطني في مختلف مبارياته الكروية، وكان من أبرز المعلقين الذين تعتز بهم الجزائر وصار بعد ذلك رمزا من رموز الإعلام الجزائري الذين قدموا الكثير للمشهد الإعلامي وكانوا أوفياء لأخلاقيات مهنة المتاعب. خصوصية صلاح لم تقتصر على أدائه الصحفي الجيد ورصيده الثري عبر مسار طويل من الاحتراق، لأنه كان يتحلى بأخلاق نبيلة وعالية، سواء في معاملاته أو ردات فعله وفي بعد نظرته الثاقبة للأمور، حيث حرص على تكوين وتوجيه الصحافيين في القسم الرياضي بالقناة الإذاعية الأولى بطريقة راقية، لا ينتقد ولا يوجه بملاحظاته إلى بعدم يدخل الصحفي إلى مكتبه ويغلق الباب يحرص أن ينفرد به وجها لوجه وحتى يكون بعيدا عن الأنظار. ربما روح صلاح الرياضية جعلت منه إنسانا محبا للآخرين لا يبخل بأي شيء حتى صار معلما للصحافيين الجزائريين الذين يختارون العمل في القسم الرياضي، سواء أولئك الذين اشتغلوا معه بالإذاعة أو باقي الصحافيين الذي كان يلتقيهم، وبالرغم من أنه قليل الكلام وهادئ، لكنه عندما يتكلم يستفيد منه الجميع ويكون في نفس الوقت قدوة للجميع.والجدير بالإشارة فإن صلاح جمع بين إتقانه للغتين العربية والفرنسية، وكانت لديه تجربة معتبرة في عالم كرة القدم في تونس، حيث لعب لعدة أندية نذكر من منها حمام الأنف. ولعل خصوصية صلاح كانت أكبر من أنه صحفي متميز بل قامة إعلامية عشقها الجزائريون، ووصل صوته وحماسه إلى قلوبهم لأنه كان صادقا في تأدية رسالته النبيلة على أكمل وجه..إذا رحل صلاح ..ولن تنس الصحافة الرياضية كما الملايين من الجزائريين في الحاضر والمستقبل صوته الحي وكلماته المفعمة بالحماس والوطنية.