أكد الدكتور فارس لونيس، أستاذ بجامعة حسيبة بن بوعلي، بولاية الشلف، أن الدول الإفريقية في المدة الأخيرة تشهد حركية كبيرة على مستوى الزيارات الرسمية لمسؤولي القوى الكبرى وتهافت كبير من قبل هؤلاء في صورة لم نشهدها من قبل، بدرجة توحي بمشهد التنافس واثبات الوجود في المنطقة، إذ تشهد الدول الإفريقية يوميا زيارات ووفود رسمية أمريكية أوربية، على جميع المستويات والقطاعات، رغبة في النفوذ وتضييق المجال على بعضها البعض، في معادلة تقتضي ربح طرف تعني خسارة الطرف الآخر. قال الدكتور لونيس، أن تهافت مسؤولي دول القوى الكبرى على إفريقيا لاسيما في الفترة الأخيرة، لا يمكن الحديث عنه دون العودة إلى ما يحدث في سوق الغاز والنفط والذي يشهد ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق جراء الحرب الروسية الأوكرانية، فالطرف الروسي يعمل جاهدا على التأثير في مسؤولي الدول الإفريقية من أجل إحكام السيطرة في الأسعار وعدم الرضوخ للضغوطات الأمريكية الأوروبية وطلبات الإمدادات بهاتين المادتين. وأضاف الأستاذ الجامعي في تصريح ل»الشعب»، أن التنافس والصراع على النفوذ في إفريقيا وإن كان ظاهره أحادي الطرف الأمريكي الفرنسي الروسي، فإن ما يجب التنويه له هو أنه مهما كانت الدولة المسيطرة، فإن النتيجة التي ستؤول إليها المنطقة لن تعدو أن تبقى تابعة ما لم تحاول الاستقلال بذاتها والنهوض باقتصادياتها والخروج من التبعية ومحاولة البناء بما يحقق نموها وازدهارها. في السياق، أوضح المتحدث، ان الجانب الفرنسي يركز بدرجة أولى على الإرث التاريخي والتبعية السياسية والاقتصادية والإيديولوجية، وهو الملاحظ عليه وعلى سلوكياته وحتى خطابات المسؤولين الذين ما فتئوا يؤكدون على العلاقات التاريخية وضرورة الاستمرار في تحسين العلاقات الفرنسية الإفريقية، والتي تلقى في كثير من الدول رفضا شعبيا يصل إلى حد الضغط على سلطاتها لقطع علاقاتها مع فرنسا. من جانبها، تعمل الولاياتالمتحدةالأمريكية ومسؤوليها ومن خلال مبعوثها في جولته إلى مجموعة من الدول الإفريقية إلى إعادة ترتيب أوراقها في علاقاتها مع إفريقيا والتي تميزت بالفتور في فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب بالنظر إلى خطاباته العنصرية اتجاه المنطقة، والتي أثرت على مكانتها ووجودها بها. هذا وتعمل روسيا على إعادة إيجاد مكان لها في إفريقيا والبحث عن تأكيد القبول الإفريقي الذي لاقته على الأقل في انتخابات الإدانة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي شهد امتناع 24 دولة إفريقية عن إدانة روسيا، الأمر الذي تراه هذه الأخيرة مدخلا لها للتواجد في المنطقة بما أنه يعبر في نفس الوقت، بحسب الرؤية الروسية عن بداية التحرر من السيطرة الأمريكية والفرنسية وبالتالي ضرورة ملء الفراغ واستغلاله لصالحها. وتعمل روسيا جاهدة من أجل بناء علاقات متينة مع إفريقيا واستغلال تراجع نفوذ الدول التي كانت تسيطر بلدان القارة لملء مكانها، كما في منطقة الساحل الإفريقي التي تسعى بكل السبل إلى التخلص من الحلف التقليدي الأوربي الأمريكي والهيمنة الفرنسية بدرجة أولى ولعل ما يحدث لهذه الأخيرة في مالي وبوركينافاسو خير دليل، باعتبارها الدولة الاستعمارية وأحد الأسباب الرئيسية لتخلف المنطقة. كما يعد العامل الاقتصادي مهما لفهم لعبة النفوذ وإعادة التشكل في إفريقيا، إذ ترى أغلب الدول الإفريقية أن واقع المنطقة الاقتصادي، إنما راجع بالأساس إلى السيطرة الأمريكية الأوربية عليه والذي لم يسهم أبدا في خدمة اقتصادياتها، بل أثر سلبا وزاد في ترديه، وهذا بالنظر إلى الطبيعة الاستغلالية لهذه القوى ونهبها لثروات إفريقيا، وكذا بالنظر إلى تورطها في كثير من قضايا الفساد في عديد من الدول، ومن جهة أخرى الرغبة الإفريقية في التخلص من الهيمنة الأمريكية الأوروبية والتوجه نحو روسيا والصين راجع أيضا إلى طابع الاقتصاد الأمريكي الأوربي المتميز بغلاء وارتفاع الأسعار، والذي يكلف إفريقيا أموالا باهظة دون تحقيق أي تقدم لها، وهذا ما يحاول استغلاله الطرف الروسي لصالحه خاصة في ظل التركيز على خفض درجة التعاملات باليورو والدولار في المبادلات بينها وبين إفريقيا.