يواصل ثلاثون أسيراً فلسطينياً ينتمون للجبهة الشعبية إضرابهم المفتوح عن الطعام رفضاً للاعتقال الإداري، والذي أسهب الحقوقيون وسدنة القوانين الدولية في التأكيد على عدم قانونيته، وغياب التأصيل القانوني أو الأخلاقي له وصار هذا التأكيد سيفاً من ورق تٌشهره الأحزاب والقوى الفلسطينية في وجه الاحتلال وتكتفي به سنداً ونصيراً للمعتقلين الإداريين. اليوم وبمرور عشرات السنوات على استخدام هذا الشكل من الاعتقال الموروث من أحكام الاستعمار البريطاني البائد، وبعد أن أكل من أعمار بنات وأبناء شعبنا مئات السنوات تُطل علينا طليعة فدائية قررت أن تنقل مواجهة هذه الجريمة من الشكل الفردي للشكل الجماعي المُنظم مٌطلقة بذلك بؤرة ثورية حقيقية تُسَخِر تعقيدات المكان والزمان وخصوصية وضعها لخدمة معركة يمكنها أن تُعَظِم الثمن الذي يدفعه الاحتلال إن قرّر الاستمرار في هذا النوع من الاعتقال وتضعه أمام خيارات أحلاها مٌر بالنسبة له، ولانتصار طليعتنا المقاتلة داخل السجون عدة أسباب ذاتية وموضوعية. تتلخّص في كيفية إدارة المعركة التي اندلعت وآليات رفدها، وتسريب المزيد من الثوار لإلحاقهم بها وإدامتها، وهذه كلها أمور أعتقد أنّ المناضلين المضربين، والذين عرفت بعضهم في السجون قد رتبوها قبيل بدء المعركة لا سيما وأن جلهم أسرى سابقون ومخضرمون في خوض الإضرابات وإدارتها وقيادة تفاصيل الاشتباك اللحظي خلالها. لذا فإنّ المهم الآن ما يحدث خارج زنازين العزل التي يقبع فيها الأسرى المضربون سيان كان ذلك في ساحات الأسر أو خارجها فالمطلوب من الحركة الأسيرة الآن توحيد الجهد وتجاوز جغرافيا الانتماءات الحزبية وفسيفساء المواقف التي تُطل برأسها عادة في المعارك وتبدأ حدثاً جانبياً ثم تُصبح مركزياً...لذا يجب أولاً على كافة الأخوات والأخوة الإداريين الالتحاق بالمعركة أو على الأقل الإعلان الواضح أنهم سيكونون جزءً منها متى دعت الضرورة لذلك، ثم يتوجب على باقي الأسيرات والأسرى أن يعلنوا برنامجاً نضالياً مٌسانداً للأسرى الإداريين يبدأ بإعلان العصيان ورفض قرارات مصلحة السجون، ولا ينتهي بإعلان الإضراب الجماعي لقطاعات معينة من الأسرى. وهذه أمور أعتقد أن الإخوة وهيئاتهم الوطنية في السجون فطنت ورتبت لها. أما مركز الحدث وبؤرته يجب أن يكون خارج السجون بإطلاق أوسع اشتباك ميداني مع الاحتلال على كافة نقاط التماس شريطة أن يكون بزخم أعلى من المعتاد وكثافة وَتَنُوع في الفعل ليفهم العدو إن إدامة عذاب أسرانا المضربين عن الطعام إدامة للويل الذي يُلاحقه، ثم يجب على المقاومة أن تقول كلمتها بروية ووضوح بأن تحدد سقفاً زمنياً ومطلبياً وتبلغ الجميع به وتؤكد بصراحة أنها ستتدخل إن لم يُلب ما تطلب ويطلب الأسرى...ووصولاً لهذه المرحلة لا أعتقد أن إطلاق حراك دولي عماده الجاليات الفلسطينية والمتضامنين عرب وأجانب أمر سيكون صعباً إن قررت الأطراف الفلسطينية ذلك، وليكن هدف هذا الحراك سفارات العدو حول العالم التي يجب أن تتحول الشوارع المحيطة لساحات إضراب عن الطعام الأمر الكفيل بجذب انتباه الإعلام وتوجيهه لقضية الأسرى بحيث يصبح دور إعلام العدو وبعثاته الدبلوماسية الدفاع لا الهجوم، فيُحصر دورها في الرد على رواية الأسرى والمتضامنين معهم، ومن هنا يُفتح الباب مٌشرعاً لتعريف العالم بقضية أسرانا وقضيتنا الوطنية. أفكار كثيرة يُمكن أن تُناقش وتصبح برامج عمل وطني سياسي وحقوقي وجماهيري يلامس وتر أخيل عند المحتلين، ويقطعه شريطة أن نُقرر نحن الفلسطينيين ذلك، ونقرّر بالتوازي أن يغادر دورنا في المعركة الحالية دائرة فعاليات إسقاط الواجب أو رفع العتب...الحرية لأسرانا وهم يلوكون الويل والوجع ويغزلون للشمس درعاً بحدقات عيونهم...والنصر للأمعاء المقاتلة، ولا خير فيمن ادخر وسيلة لنصرتهم.