أعطت المسيرات الاحتفالية التي عرفتها الجزائر في جمعة الفاتح من مارس صورة أخرى على حقيقة وأخلاق الشعب الجزائري الذي خرج إلى الشارع رافعا عدة شعارات بطريقة سلمية، وإذا كان مطلبه هو مناهضة العهدة الخامسة، إلا أن ذلك تم بطريقة سلمية وفي أجواء أخوية مالت إلى الأعراس والاحتفالية، بدليل حضور جميع شرائح المجتمع بطريقة أجمع الكثير على عفويتها وشرعية مضامينها. عرف الجزائريون كيف يحولون مختلف الشوارع والأحياء والساحات الكبرى إلى مجال الاستعراض الإبداعي، في إطار المسيرات السلمية المنظمة من اجل المطالبة بالتغيير ومناهضة العهدة الخامسة على وجه الخصوص، وبعيدا عن الأحداث المؤسفة التي عرفتها العاصمة بعد انتهاء المسيرة مباشرة، بسبب ممارسات أجمع الكثير أنها لا علاقة لها بالمتظاهرين، فإن المظاهرات السلمية خلفت عددا كبيرا من الصور الإبداعية التي تفاعل معها الجميع ميدانيا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل حرص الجميع على مبدأ الأخوة والسلمية، وكذا تكريس مبدأ النظافة والتكاتف، من خلال توظيف جميع الأطراف لجهودها من اجل تقديم يد المساعدة أو الإسعاف، بما في ذلك رجال الشرطة الذين حظوا بمعاملة حميمية من طرف الشعب الذين رددوا مطولا عبارة "الشعب.. الشرطة.. خاوة خاوة"، في مشاهدة أثرت كثيرا في المتتبعين لتلك اللوحات التي أبدع في تكريسها الجزائريون في جميع الولايات والمدن الكبرى من الوطن. طابع انساني.. وحرص على الرقي والسلمية ولم يتوان الكثير ممن تحدثوا ل"الشروق" على وصف المسيرات السلمية للجزائريين للجمعة الثاني على التوالي على أنها ستخلد مشهدا خالدا في المحبة والأخوة والرغبة في التغيير السلمي الهادئ، خاصة وان الجميع لجأ إلى تعليق شعارات بطريقة حضارية، وترديد عبارات تدعو إلى تلبية مطالب الشعب القاضية في التغيير، بغية التطلع إلى مستقبل مشرق ينهي حالة التأزم التي تعرفها البلاد من عديد النواحي، ناهيك عن معارضتهم الصريحة للعهدة الخامسة، داعين الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة إلى عدم الترشح، وتكريس مبدأ التداول على السلطة، في الوقت الذي كان الطابع الإنساني حاضرا بقوة، بدليل تجند الجميع لتقديم يد العون، وتحسين سبل التعامل والتواصل بين المواطنين ورجال الشرطة، ما جعل المسيرات السلمية تسير في ظروف طبيعية، باستثناء ما حدث في العاصمة بطريقة وصفها البعض بالغامضة، خصوصا وأن ذلك تم بعد مغادرة المتظاهرين. من منح الورود إلى رمي الشرطة بالحلوى وانبهر الكثير ممن واكبوا المسيرات السلمية أو تابعوها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في وصفها، بالنظر إلى اللوحات الجميلة التي خلفتها، سواء من حيث الطريقة الراقية في تمرير المطالب، أو الممارسات الإنسانية والأخوية التي تمت فوق الميدان، وفي مقدمة ذلك التحول من منح الورود للشرطة إلى رميهم بالحلوى، ناهيك عن أداء بعض المواطنين لدورهم في حماية رجال الشرطة أنفسهم، ما جعل حتى بعض رجال الأمن يذرفون الدموع تأثرا لمضامين الشعارات وأغاني المتظاهرين التي تشيد بمكانة وقيمة الشرطة، ما زاد الحضور النوعي للعنصر النسوي بهاء، وذلك من خلال تواجد عائلات بأكملها أو نساء رفقة أزواجهن، وكذا تواجد مختلف الشرائح، بعد ما تعدى الأمر إلى الشيوخ والأطفال الصغار، ما جعل المسيرات السلمية تحمل طابعا احتفاليا بامتياز، ذكر البعض باحتفالات ذكرى عيد الاستقلال صيف 1962، وأعاد مشاهد أخرى ايجابية، من ذلك الاحتفالات التي أقيمت بعد ملحمة أم درمان منتصف نوفمبر 2009. حدث كل هذا على وقع الحرص على النظافة والمعاملة الحسنة، ووسط حضور وجوه محترمة وشخصيات سياسية وتاريخية لا تزال تحظى باحترام الجزائريين. وخلص الكثير من الجزائريين بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم بأن المسيرات السلمية التي عرفتها مختلف الولايات للجمعة الثانية على التوالي قد خلفت العديد من المؤشرات التي تعكس مكانة ووعي ونضج الجزائريين، وتطلعهم لغد أفضل، من خلال الدعوة إلى التغيير لضخ دماء جديدة تحفزهم على التطلع إلى مستقبل مشرق، وبالمرة المساهمة في بناء بلدهم في كنف الأخوة والتعاون ونكران الذات.