لأوّل مرّة، يضع الجزائريون بعمل سياسي محترف ومهني، الطبقة السياسية، سلطة ومعارضة، في الزاوية الحادة، ويكاد ذلك أن يُعجز هؤلاء وأولئك على إيجاد الحل و"مخرج النجدة"، من أجل عودة الحياة العامة إلى طبيعتها، ووضعها العادي، بعيدا عن القلق والارتباك والهلع ونشر الإشاعات والاستفزازات والمعلومات والتحليلات وإطلاق مختلف السيناريوهات! لم يعد الآن بإمكان الطبقة السياسية، التي حاولت وتحاول ركوب "موجة الشارع"، واختطاف مطالبه وتبنّيها، ولأوّل مرّة كذلك، تتفق الموالاة والمعارضة، على أن "مطالب الشارع مشروعة"، لكن المجموعة في السّرب الأوّل والمجموعة في السّرب الثاني، اختلفت في التغريد، بشأن "التعهّدات والالتزامات" الواردة في رسالة بوتفليقة! حتى الخرجة الغريبة للراغب في الترشح، رشيد نكاز، صنعت هي الأخرى، "الغموض"، والطرافة في نفس الوقت، فبين من يراها فعلا بهلوانيا، هناك من اعتبرها "فعلا سياسيا"، في وقت لم يعد الشارع منشغلا بأقوال هؤلاء وأفعال أولئك، لأن هذا الشارع أعلن مطالبه، ورفض السلطة والمعارضة معا، ولم يقبل حتى بعض المعارضين الذين ساروا معه في المسيرات! خطاب "الهفّ" ولغة "التبلعيط"، هي التي فرّقت الجمع من بين هؤلاء وأولئك، ومزقت جيوب الولاء والطاعة، هنا وهناك، وضربت معاقل الجهر بالانتماء، وحرّضت الكثيرين على "تغيير الفيستة" وقلب المواقف، في محاولة قد تكون فاشلة، إلاّ إذا قبلها الشارع من باب قبول التوبة! لقد فضحت المظاهرات السلمية الأخيرة، طبقة سياسية، فاشلة وعاجزة وغير قادرة على أن تجمع قطرة من بحر المسيرات التي حيّرت العالم وأبهرته، وفوّتت الفرصة على المتربّصين والمشككين في وعيه وسلميته وتحضره، وقد صنعت المشاهد بشهادة الجميع، بالداخل والخارج، الاستثناء والتميّز، في صناعة جديدة تضاف إلى طبيعة العقلية الجزائرية! الآن، على الساسة، حيثما كانوا وأينما وُجدوا، أن يفهموا الدرس، ويعترفوا ولو سرّا وداخل قلوبهم، بأنهم لم يقرأوا مقدّمات الأحداث قراءة صحيحة، ولم يستشرفوا جيّدا، والذي استشرفوه كان مجرّد ضرب ل"خط الرمل" و"زمياطي"، أثبتت التطورات المتسارعة والمتلاحقة، أنه لا ينفع، ولذلك لم تفهم أحزاب الموالاة ولا أحزاب المعارضة الذي حدث فجأة، وإن كان ملفوفا بسابق الإنذار والإعذار وما يشبه الإخطار! قد يقول قائل من السياسيين أنفسهم: إنه لا يحقّ من الآن فصاعدا تجاوز الشارع وعدم الاكتراث لصوت المواطنين ورسائلهم، لكن هذا "الاعتراف" سيورّط أصحابه أكثر، في حالة التراجع أو التخلّي أو إنتاج تفاسير على المقاس، وهو ما يضع طبعا الطبقة السياسية، أمام مسؤولياتها، حتى لا تتكرّر الأخطاء، وتٌستنسخ النماذج الفاشلة، بما يُعيد الحكاية إلى نقطة البداية بدل الوصول إلى النهاية السعيدة!