لا يمكن حصر إسهامات الفقيد “علي فضيل” في الجانب الإنساني في مقال صحفي ولكنها شهادة أتركها للتاريخ في الجهد الذي بذله الرجل من مكانه كمدير عام لأكبر مجمع إعلامي في الجزائر، وكان لي الشرف أن أتكلف بهذا الجانب في الكثير من مناطق النزاع في العالم، بدءا من غزة إلى لبنان إلى الروهينغا. لكن في هذا المقال أركز على قضية رفع الحصار عن قطاع غزة، التي كان للأستاذ “علي فضيل” دور مهم فيها بدءا من أسطول الحرية الذي كانت “الشروق” راعيا إعلاميا له وأرسلت فريقا صحفيا وثق الحادثة وقدم للعالم صورا حصرية عما حدث على متن الباخرة، والزميل قادة بن عمار عاش التجربة بكل تفاصيلها ووثقها في حلقات منشورة في جريدة “الشروق”. ولأن القضية الفلسطينية لم تكن شعارا فضفاضا عند “علي فضيل” بل كانت نهجا عمليا فإن الواجب أن أوثق بأمانة جهود علي فضيل في رفع الحصار عن غزة، بالدعم الإعلامي والمالي والحرص الدائم على أن تكون القضية الفلسطينية حاضره في مجمع “الشروق”. كانت حادثة أسطول الحرية سببا مباشرا لدخول أول قافلة جزائرية نظمتها حركة الإرشاد والإصلاح برعاية مجمع “الشروق” ومتابعة للأستاذ علي فضيل شخصيا، حينها وقع علي الاختيار بالتشاور بين الأستاذ علي فضيل والزميل محمد يعقوبي لأرافق هذه القافلة وأنقل مبلغا ضخما خصصه الأستاذ علي فضيل لعائلات الشهداء. في البداية طلب مني الأستاذ علي فضيل أن أنسق مع مدير مكتبنا بغزة حينها الأستاذ صالح عوض الذي كان مكلفا بإحصاء عائلات الشهداء ودراسة حالتهم وإعداد قائمة المستفيدين، وكان الأستاذ عوض يريد أن يوزع المساعدات المالية على عدد كبير من العائلات الفلسطينية بينما أصر علي فضيل على أن تستلم كل عائلة 1000 دولار وهو مبلغ كبير في نظر الأستاذ صالح الذي أخبرنا بأن الخليجيين عندما يقدمون المساعدات المالية لا يزيد المبلغ عن 100 دولار، وبعد مراجعة علي فضيل وافق على زيادة عدد العائلات وخفض المبلغ إلى 500 دولار للعائلة الواحدة، وقال لي: أخبر صالح عوض بأن اسم الجزائر كبير ولا أقبل بأقل من 500 دولار للعائلة الواحدة. حينها أعطاني الأستاذ علي فضيل المبلغ وشعرت بأني أحمل ثقلا كبيرا وأنني مسؤول عن إيصال أمانة الجزائر إلى الفلسطينيين، وليس سهلا أن تسافر بمبلغ كبير بالعملة الصعبة سواء عبر المطارات أم برا عبر السويس وسيناء ومدينة العريش التي تبدو مدينة أشباح. وفوق المبلغ سلمني علي فضيل مبلغ 2000 دولار وقال لي أعطه إلى رئيس الوفد الجزائري آنذاك وهو نصر الدين شقلال رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح، وأخبره بأن يسدد كل تكاليف الرحلة للوفد الجزائري غير أن أعضاء الوفد اتفقوا على إضافة المبلغ إلى المساعدات الفلسطينية. لقد قسمت ما كنت أحمله إلى مبالغ صغيرة وأعطيتها لأعضاء الوفد الجزائري حتى يسهل تمريرها في المعابر الحدودية، وسارت الأمور بشكل طبيعي إلى أن وصلنا إلى معبر رفح إذ فوجئنا بغلقه في وجوهنا وانتظرنا يومين أمام المعبر وكنت على تواصل مع الأستاذ علي فضيل الذي طلب مني إيصال الإعانة إلى الفلسطينيين بأي طريقة. وبعد أن أصابني اليأس اتصلت بالأستاذ صالح عوض وطلبت منه إرسال شخص يثق فيه لإيصال المبلغ لكن الأستاذ “صالح عوض” طمأنني وقال لي: “لقد أعددت الخطة ب لتدخل أنت ومعك المبلغ إلى غزة وتوزع المساعدات بنفسك وتعود من جديد” ولم يعطني تفاصيل أكثر غير أنني فهمت أن ذلك يكون عن طريق أنفاق التهريب. لكن موقف السلطات المصرية تغير فجأة وسمحت للوفد الجزائري بدخولها مع قافلة المساعدات وكان حدثا كبيرا حينها لأن معبر رفع مخصص لدخول الأشخاص فقط وليس السلع، وقد فُسر الأمر حينها بأن السلطات المصرية كانت تريد تطبيع العلاقات مع الجزائر بعد الأزمة الكروية المعروفة سنة 2009. دخلنا إلى غزة ونظم مهرجان كبير وزعت فيها المساعدات التي أرسلتها “الشروق” وأصر الفلسطينيون على أن يلقي علي فضيل كلمة على المباشر وبالفعل ألقى كلمته بالهاتف قال فيها: “أردنا بهذه المبادرة أن نثبت لكم يا أهالي غزة أننا معكم قلباً وقالباً، بل ومستعدون لتقديم الغالي والنفيس من أجل قضيتكم العادلة التي تعتبر قضية المسلمين والعرب أجمع وتهون أرواحنا من أجلكم فأنتم كرامة الأمة وصمودها في وجه المحتل” وكان التفاعل كبيرا من عوائل الشهداء مع هذه الكلمة. تلك كانت صفحة واحدة من جهود الفقيد “علي فضيل” في خدمة القضية الفلسطينية كنت شاهدا عليها، وأفضل من يتكلم في هذا الجانب هو الأستاذ صالح عوض الذي رافق الفقيد لعقود.