مازال وباء كورونا يضرب بقوة، وعدد ضحاياه تجاوز حتى أرقام الأكثر تشاؤما في الولاياتالمتحدة وإيطاليا وإنجلترا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، وبعد أن ابتعد كثيرا حلم العودة إلى المنافسة لأسباب صحية وحتى اقتصادية ومعنوية، صارت العودة المرتقبة للموسم المقبل مليئة بعلامات الاستفهام، لأن الرعب الذي غرسه الفيروس في لاعبي الكرة وفي جماهير اللعبة الشعبية، قد يعقد العودة خاصة بعد الحديث عن موجة ثانية من الوباء ستنطلق في الخريف القادم لفيروس يقتل بدون هوادة ولا يجد رادعا له سوى البقاء في البيت أي شلل الحركة، ولن يرحم الناس غير مصل يجعل الناس ينطلقون من دون تردد ويدخلون الملاعب ويملؤونها بتشجيعاتهم وحماسهم. صار شبه مؤكد بأن الموسم الحالي بكل منافساته إن اكتمل، ستكون من دون حضور الجماهير، وسينتقل اللعب من دون جمهور إلى غاية الموسم الكروي القادم وكأقرب موعد شهر جانفي من سنة 2001، أي أن كل مباريات مرحلة الذهاب ستلعب من دون جماهير في أقوى دوريات العالم ومنها على وجه الخصوص الدوري الإنجليزي والدوري الإسباني، وهما الدوريان الأكثر حضورا جماهيريا في العالم، وسيكون صعبا جدا مشاهدة مباريات ليفربول ومانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وأرسنال وتونهام من دون جمهور، أو مباريات فالونسيا وأتليتكو مدريد أو برشلونة أو ريال مدريد من دون جمهور. في الغالب الاتحادات المحلية في أوربا لا تعاقب الأندية بحرمانها من اللعب من دون جمهور، لأنها متفقة جميعا على أن ملح الكرة في مختلف الدوريات هو الجمهور، كما أن غالبية الجماهير تقوم بشراء اشتراك وتدخل للملعب ببطاقات يتم اقتناؤها قبل بداية الدوري، ولا يمكن بعد ذلك حرمانهم من دخول أي مباراة بسبب شغب بعض المتفرجين. قليلة جدا هي المباريات التي تُلعب من دون جماهير في أوربا، فما بالك أن ينتقل الأمر لمباريات رابطة أبطال أوربا التي كانت تلعب دائما في المدرجات كما في الملاعب الخضراء، وحتى القنوات التي من العادة شراء حقوق البث قد تغير من قرارها، ومن المحتمل أن تفقد هذه المباريات المتابعة المليارية التي تعرفها في كل سنة. شاع في السنوات الأخيرة لدى مخرجي مختلف المباريات تصوير جانب من الجماهير وتحويل بعض اللقطات إلى ما يشبه فيلم في داخل المباراة، وهناك صور ولقطات من المدرجات صنعت الحدث في العالم، وهناك مشجعين لأندية ولمنتخبات صار كل العالم يعرفهم بطريقة تشجيعهم أو بالكاريزما التي يتمتعون بها، وهناك كاميرات كثيرة صارت تثبّت مقابل الجماهير والمدرجات ويتوقف البث أحيانا من الميدان، من أجل التحوّل إلى المدرجات، وأحيانا يتم التركيز على مناصر واحد في صورة هيجانه أو أفراحه أو حتى دموعه، وتتحول هذه المواقف إلى ما يشبه فيلم يتحول إلى الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي ويخطف الأضواء من الحدث الكروي. هناك نوع من المشجعين الشوفينيين الذين لا يستطيعون متابعة فرقهم المحبوبة من خلال التلفزيون، فهم لا يتصورون أنفسهم بعيدا عن المدرجات وعن لاعبيهم، وهم مقتنعون بأنهم لا يختلفون في أهميتهم عن اللاعبين، فبعضهم يؤلف الأغاني وآخرون هم أصحاب فكرة التيفو، كما أن الألتراس الذين أصبحوا حقيقة وواقع في كل المدرجات سيكونون أكبر الخاسرين إلى غاية بداية السنة القادمة، وإذا علمنا بأن كأس أمم إفريقيا ستلعب من المفروض في بداية السنة القادمة، فلا أحد يتصور منتخب الجزائر يدافع عن لقبه من دون جمهور، بالرغم من أن ذلك قد يكون مساعدا لأشبال جمال بلماضي للدفاع عن لقبهم في قلب القارة الإفريقية حيث من العادة أن لا يتواجد أنصار الخضر بأعداد غفيرة. أصبح من المؤكد بأن الموسم الكروي الحالي سينتهي أعرجا وقد يتم توقيف الكثير منه، كما ستكون بداية الموسم الكروي القادم أيضا عرجاء، وهي طعنة جارحة للعبة كرة القدم، التي كانت وسبقى حلاوتها في الجماهير التي منحت للمدرجات جمالا لا يوصف. وكما قال البرازيلي بيليه مرة عن الجماهير، بأنها صارت هي التي تصنع الحث، وهناك لاعبون صاروا يحملون هواتفهم لتصوير الجمهور وما ييفعله من لوحات تيفو أو لافتات أعلام وشماريخ، بعد أن كانت القاعدة تقول بأن الجمهور هو الذي يشاهد اللاعبين. والمشكلة أن الأمر لا يعني مباراة واحدة أو أسبوع من المباريات وإنما قرابة ثمانية أشهر كاملة من المباريات الصامتة، التي لا تختلف عن مباريات الدوري المصري التي تُلعب في غالبيتها من دون جماهير، منذ حادثة هلاك عدد كبير من أنصار الأهلي في بور سعيد قبل مواجهتهم لنادي المصري. ب.ع