كنت في شبابي حيويا وقدمت أعمالا أفتخر بها.. والآن تعبت ولم أيأس اختلفت رحلة القطار صباح أمس بين منطقتي "الرغاية" والعاصمة عن سابقاتها الحبلى بالأعصاب وملل الانتظار والنظر إلى تذاكر تتضمن مواقيت لقطارات وهمية قد تأتي بعد نصف ساعة أو ساعة أو أكثر.. وقد لا تأتي أبدا.. إنها رحلة الأعصاب والضغط والسكري بامتياز في جزائر 2013. أطل القطار من بعيد زاحفا ترمقه جموع المنتظرين الغاضبين بنظرات الحقد والكراهية وآلاف الشتائم تخرج صامتة مع زفرات وتنهيدات ساخنة. وفي خضم الغضب الذي بدأ يخف بين محطة لأخرى للراكبين الأوائل، ويزيد لمن صعدوا لاحقا، يطل الفنان صالح أوقروت في بدلة سوداء أنيقة وتسريحته المميزة المعتادة.. اشرأبت الأعناق نحوه، وتنازل له أحد الشباب عن مقعده احتراما ووقارا لمحبوب الجماهير.. فهو "صويلح" باختصار، ونجم "الكوميديا" الجزائرية دون مقدمات. ويبدو أن "العناية الإلهية" اختارت أن ترحم أنفس الغاضبين فدفعت بالفنان المحبوب إليهم.. كانت النظرات شاخصة نحوه، والتف حوله جمع من الشباب والبنات، سائلين إياه عن صحته وجديده الفني بطبيعة الحال.. تحدث صويلح بتلقائية مع الجميع وأعطى لكل واحد "ڤوسطوه"، مثلما يقال في العامية الجزائرية، أي خاطره. لم يكن متكلفا أو مترفعا متعاليا مثل كثير ممن يقال إنهم "فنانون كبار". تحدث الرجل عن كل شيء مع هؤلاء الشباب، كرة القدم، السياسة، الفساد، وحال الفنانين الجزائريين بين اليوم والأمس. وتركزت أسئلة المسافرين في البداية حول شهر رمضان، فقال له أحدهم "نشوفوك في هذا رمضان.. كاين الجمعي"، فيرد صالح أوقروت "للأسف لا جديد لي في الشهر الكريم، كان يفترض أن ننجز جزءا جديدا من سلسلة الجمعي فاميلي ولكن لم نتمكن من ذلك لضيق الوقت.. وأنا بطبيعتي لا أحب الأعمال التي تنجز في آخر لحظة". ومضى وهو يبادل الابتسامة مع هذا وذاك "لدي مشاريع في الأفق أشتغل عليها حاليا". وبدا بعض المسافرين الذي التف حول "صويلح" واعيا جدا أو ملما بشيء من الفن، فسأله "تملك في رصيدك أعمالا محترمة جدا وخصوصا في بداياتك على غرار فيلم كرنفال في دشرة"، فيرد الفنان "أعتقد أني كنت أفضل في السابق.. وقدمت أعمالا افتخر بها لأنها أعجبت جمهوري وجعلته يحبني.. تعبت قليلا الآن لكن لم يصبني اليأس.. أذكر لكم أني قدمت عرضا في سنوات سابقة حضرته أجنبية تزور الجزائر، وبقيت تنظر إلي باندهاش رغم أنها لم تفهم ما كنت أقول.. لكنها انشدت إلى تعابير الوجه، وهذا في اعتقادي هو الأساس في عمل الفنان، فالحوار لا يكفي وحده لنجاح العمل الفني والتمكن من إضحاك الجمهور، وخصوصا الجزائريين". وتحدث المسافرون عن أشياء كثيرة مع الفنان "صويلح"، وتذكروا معه أعماله مع عثمان عريوات وكمال بوعكاز وآخرين، وكان يقول بين لفتة وبسمة "بدأت المسرح وعمري تسع سنوات، واشتغلت رفقة الكبار.. المسرح والفن عموما يحتاج إلى الدراسة الأكاديمية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكن يجب أن نعلم جيدا أن المسرح الجزائري قدم لنا العمالقة على غرار عبد القادر علولة الذي يمثل بالنسبة لي مدرسة كبيرة.. المسرح والفن عموما يختلف الآن عن سابقه.. يجب أن يكون له دور النقد الذي غاب.. فالجمهور لا يقبل التهريج وفقط". وبعيدا عن الفن، اختار بعض الشباب مشاكسة "صويلح"، ففتحوا معه مواضيع كرة القدم والانهزامات المتكررة للفريق الوطني. وقال صالح أوقروت هنا "هم يبهدلوننا أينما ذهبوا.. ورغم ذلك يتقاضى لاعب كرة القدم أجورا كبيرة صارت حلما لكثير من الشباب الذين يريدون أن يصبحوا لاعبين.. حتى نحن كفنانين لسنا بأهمية لاعبي الكرة في بلدنا". وفي هذه اللحظة تنادي مضيفة القطار الصوتية: "محطة آغا" التي نزل فيها "صويلح" مرفوقا بمحبيه.