قليلون من المرضى من ساعفهم الحظ في وضعيتهم الجديدة كونهم ينعمون بكل مقومات الراحة النفسية و الاجتماعية و حتى المادية أيضا، و هذا بعد تعرضهم لمرض أقعدهم الفراش أو جعلهم أشخاص عاجزين عن القيام بوظائفهم في الحياة، لتبدأ معهم رحلة المعاناة مع المرض من جهة و المحيط الذي لم يتحمل تقاعدهم و نهاية خدماتهم، مما يزيد من معاناته أو يكون سببا لتأجيل شفائهم. من البديهي أن تؤثر معاناة آلام المرض في جميع الجوانب الحياتية للمريض، و خصوصا عند استمرار ظهوره خلال فترات متطاولة كعارض مزمن، حيث لا يتمكن المريض من القيام بالنشاطات الحياتية اليومية، و يواجه مشقات متعددة، و خاصة تفاقم المشاكل المتعلقة بالنوم والأكل، و المشاكل النفسية وغيرها، وقد لا يجد المساندة من الأهل والمحيطين به بسسب انشغالهم أو تذمرهم من حالته، كما يمكن أن يجعل المرض صاحبه محبطا لشعوره بأن الأهل لا يتفهمون دائما مشاعره و معاناته، مما يشكل له معاناة أخرى تضاف لرصيد آلمه، بين هذه الفئة وأخرى حقيقة تؤكد ضرورة العناية النفسية للمريض. مرضى يعانون التهميش بين ذويهم يجد المريض نفسه في وضع جديد لم يكن يظن يوما يحسب له حساب خاصة إذا كان هذا الاخير يعاني من مرضا مستعصيا أو متقدما في السن أو إعاقة حركية، وإذا كان المريض يتطلب عناية خاصة و مادية و تكفل نفسي غير أن القليل جدا في مجتمعنا من يعيرها اهتمام و يعترف بها، حيث يعاني المريض من ضغوطات نفسية تزيد من معاناته و قد تكون سببا في تأخر علاجه أو إلى الموت البطيء، و هذا ما يحدث خاصة مع كبار السن الذين وجدوا أنفسهم في وضعية حرجة بعدما كانوا يتمتعون بالصحة و العافية و يتقلدون زمام الحكم في العائلة، عن هذه المعاناة تسرد لنا ربيعة، 61 سنة التي وجدت نفسها طريحة الفراش بعد إصابتها بداء القصور الكلوي و السكري الذي سبب لها اعاقة جعلتها عاجزة عن خدمة نفسها و القيام بحاجاتها العضوية، قائلة:" في بادئ الأمر تقبلت عائلتي وضعي الصحي و ووقفوا إلى جانبي لكن مع مرور الأيام أصبحت اشعر بأنني عالة عليهم بعدما أصبحوا يعبرون عن ذلك بشكل واضح أمامي و كأنني جثة أمامهم لا تشعر ولا تتأثر بكلامهم ، و إن كانت بعض العائلات تهتم بالجانب الشكلي العام للمريض و ذلك بتوفير له نظافة الملبس و الفراش و توفير له كل ما يحتاج إليه حتى لا يقال عنهم أنهم تسببوا في إهمال المريض لكن بالمقابل تجدهم لا يعيرون له اهتماما بالجانب النفسي و هذا ما صرح لنا به رابح، 51 سنة، الذي أكد لنا أن أبناءه لا يعيرون لوجوده اهتمام، فلا يجلسون معه ولا يتحدثون إليه قائلا:" مرضي حولني إلى شخص غير مرغوب فيه في عائلتي و عالة عليهم و ما يقومون بها نحوي سوى مجرد شكليات أمام الغير". أحيانا يتعدى إلى العنف المادي قد يظن البعض أن التكفل المادي بحالة المريض كافيا للاهتمام به و تحسين حالته الصحية، غير أنه بحاجة إلى التكفل النفسي قبل كل شيئ، و هذا ما يعانيه المريض حقيقة في مجتمعنا الذي يفتقد إلى التعامل وفق ثقافة صحيحة تسهم في اعادة الأمل للمريض و تحسين حالته، و رغم وجود جمعيات تهتم بهذا المجال و إقامة ندوات تختص بأهمية العلاج النفسي للمريض و الذي وصل إلى مراحله المتقدمة في الدول الغربية لا يزال و للأسف الواقع مريرا في مجتمعنا بعيدا كل البعد عن ما يعيشه المريض، بل يتعدى أحيانا العنف المادي، عن هذا الوضع المزري تحدثنا عقيلة التي التقينا بها بمستشفى مصطفى باشا، حيث صرحت لنا عن حالة اليأس والمعاناة التي تعيشها جارة لها تعاني من الزهايمر، حيث تخلى عنها أبناؤها ولا يأتون إليها إلا ناذرا، أما ابنتها التي تقطن معها فقد تجردت من مشاعر الرحمة والرأفة بوالدتها، فهي تسيء معاملتها ولا تهتم بحالها لدرجة أنها تسمعها أحيانا تقوم بضربها، هذا الوضع الذي أثر عليها نفسيا و جعلها تدعوا الله ليلا و نهارا ان يعجل في موتها و يحفظ كرامتها و عزتها، أمثال هذه السيدة كثيرون يعيشون في الخفاء يعانون في صمت و يدفعون فتورة مرضهم دون أن يجدوا من يدافع عن حقوقهم و يحفظ كرامتهم. دراسة تؤكد:أسلوب التعامل مع المريض تساعد على شفائه أشارت دراسة أميركية حديثة أن أسلوب التعامل مع المريض لا يقل أهمية عن الدواء الذي يصفه للمريض، وتشير الدراسة التي نشرتها الجمعية الطبية الأميركية أن %82 من الشكاوى من المرضى لها صلة بمواضيع الاتصال، وتبين الدراسة أن المشاعر العاطفية وإحساس المريض بأن الطبيب أو المكلف بمراقبته يوليه رعاية خاصة تعمل على تحسين الاتصال مع المريض وتساعد أيضا في عملية الشفاء، وينبغي عدم نسيان أن للاتصال الحميم أهمية بالغة في المساعدة على تعزيز قوة العقاقير الطبية على الشفاء، ولها تأثير العلاج الكاذب بلاسيبو أو العلاج بالوهم. ومن النظريات التي تلاقي شهرة في تفسير العلاج بالوهم، نظرية أن المريض عندما يتلقى عناية واهتماما فإن ذلك يشجع عنده بعض التفاعلات في جسمه ما يؤدي إلى التحسن الصحي، يقول الدكتور والتر بروان أن مرضى الاكتئاب الذين كانوا في قائمة الانتظار لم يتحسنوا مثل ما تحسن أولئك الذين قدم لهم العلاج بالوهم، إنه يرى أن ذلك سببه تغييرات في جسم المريض كإفراز الاندورفين الذي يؤدي إلى التحسن وربما الشفاء، من جهة أخرى هذه النظرية تفسر لنا سر العلاج والطب البديل الذي قد ينجح أحيانا في تحقيق تحسن صحي وكيف أن الأدوية الطبية تعمل عملها حتى نشرح للمريض أنها غير ذات فائدة فتكون لا فائدة منها ولا تحقق أي تحسن بعدها. الأمر الذي يضع ضرورات معالجة الألم و تأثيراته البدنية و النفسية ضمن الأولويات المهمة في الخطط العلاجية ،و ضمن المواضيع الأساسية التي ينبغي للأهل مناقشتها و التداول بشأنها مع الطبيب المعالج ، كما تستدعي العمل الجماعي و بشكل وثيق لتحقيق معالجة فعالة.