وفي العاصمة الأرمينية يريفان بحث عن آثار أقدام عرب وفرس وعثمانيين وسوفييت مروا من هناك، ويجول بموقع قنطرة في يريفاناستقللتُ الطائرة المتوجهة إلى العاصمة الأرمينية يريفان، وبعد رحلة مدتها ساعة ونصف وصلت المطار، ألاحظ قلة عدد الطائرات المتوقفة فيه. لحظة وصولي مدخل المطار، سألني ضابط الجوازات عن سبب الزيارة. أجبته أنني سائح، فرحب بي مبتسما وختم الجواز متمنياً لي حظاً سعيداً. شعرت من ردة فعله أن كل أجنبي مرحب به هنا. اشتريت شريحة هاتف من أحد المتاجر في المطار، ثم أخذت سيارة أجرة واتجهت إلى مركز المدينة. كنت على موعد مع هوفانيس، شاب أرمني يعمل في ألمانيا عازفاً للكمان في أوركسترا موسيقية. لم أقابله يوما، إلا أن صديقة يابانية، تعمل بنفس الأوركسترا، اقترحت أن أتعرف عليه ليساعدني، وقتها كان في زيارة إلى أهله، وعرض علي أن يجد لي مسكناً بسعر ملائم في وسط المدينة. مجتمع أرثوذكسي محافظ توقفت في تقاطع بمركز يريفان مثلما هو متفق مع هوفانيس. بعد عشر دقائق وصل الموسيقي وبصحبته شاب آخر اسمه كورون، شعره يميل إلى الاصفرار، كما أن طريقة ترحيبه بي ونظراته غريبة إلى حد ما، عدت بذاكرتي إلى ما قالته لي صديقتي اليابانية، بأنه ربما لهوفانيس ميولا جنسية مثلية لكنه لا يفضح عنها في أرمينيا، فمجتمعه مجتمع أرثوذكسي محافظ لا يقبل بالعلاقات المثلية. سألني كورون عن انطباعي الأولي عن المدينة. قلت له: تبدو جميلة هادئة. سألني عن الناس هنا؟ أجبته بحذر وبنوع من المجاملة، أنهم يبدون لي للوهلة الأولى ودودين. ضحك، بغرابة. قال: "إنها مدينة ميتة. أهلها رحلوا عنها تاركين خلفهم بقايا جدرانهم". سألته عن أي جدران يتحدث؟ فقال: "منازلهم. وحتى هذه المنازل لم يبقَ الكثير منها لأن الأغنياء من الأرمن بنوا أسواقاً ومحال تجارية عوضاً عنها". انتقلنا بعدها إلى الشقة التي سأحل بها، وعند وصولنا التقينا بالعمة مارا مالكة الشقة، وهي سيدة قصيرة القامة في نهاية الستين من العمر. حمى في عز الصيف بعد وصولنا إلى الشقة اتفقنا على السعر الذي لم يكن رخيصا بالنسبة لمدينة خالية من أهلها ومن السياح، لكن العمة مارا تعلم أنني أعيش في ألمانيا، أي إنني لن أناقش كثيراً في السعر. خرجت مباشرة مع هوفانيس طلبت منه أن يأخذني إلى أي صيدلية قريبة. كنت بحاجة ماسة لعلاج، فقد أصبت بعدوى نقلته إلي من سيدة روسية كانت لا تكف عن السعال خلفي في الباص خلال رحلة زيارة قصور يالطا المطلة على البحر.سألتني الصيدلانية إن كنت أريد علاجا خفيفا أم مضادا حيويا. كان هوفانيس يترجم لي ويضحك. فالمضاد الحيوي في ألمانيا لا يمنح إلا بورقة طبيب، فيما يباع هنا حسب الطلب. اخترت المضاد الحيوي القوي جدا؛ فطريقي مازال طويلا ولا أريد أن أقضي الطريق المتبقي مريضاً. بعدها وصلنا إلى أكبر ساحة في المدينة، كانت مباني الشارع غريبة الطراز. جدرانها مسطحة لا تملك شيئا من الجمالية. النوافذ حديثة مظللة والجدران من الرخام البني والأبيض، كما أن ارتفاع المباني لم يتجاوزا الأربعة طوابق. لم يبق من الطراز القديم سوى بناية صغيرة في منتصف الشارع، جدرانها داكنة تميل للسواد بسبب الدخان والغبار، وكانت الشيء الوحيد القديم في هذه الجادة. سألتني الصيدلانية إن كنت أريد علاجا خفيفا أم مضادا حيويا. كان هوفانيس يترجم لي ويضحك. فالمضاد الحيوي في ألمانيا لا يمنح إلا بورقة طبيب، فيما يباع هنا حسب الطلب. اخترت المضاد الحيوي القوي جدا؛ فطريقي مازال طويلا ولا أريد أن أقضي الطريق المتبقي مريضاً. بعدها وصلنا إلى أكبر ساحة في المدينة، كانت مباني الشارع غريبة الطراز. جدرانها مسطحة لا تملك شيئا من الجمالية. النوافذ حديثة مظللة والجدران من الرخام البني والأبيض، كما أن ارتفاع المباني لم يتجاوزا الأربعة طوابق. لم يبق من الطراز القديم سوى بناية صغيرة في منتصف الشارع، جدرانها داكنة تميل للسواد بسبب الدخان والغبار، وكانت الشيء الوحيد القديم في هذه الجادة. تساءلت وقتها؛ أين المباني القديمة إذن؟ قالا لي لم يبق منها شيئاً. في العهد السوفيتي دمرت كل أجزاء المدينة القديمة التي كانت مهترئة أصلا. وبنيت هذه الأبنية عوضاً عنها، وكانت خلاصة الزحف الرأسمالي إلى المدينة؛ حيث استبدل أغنياء أرمينيا الطراز الاشتراكي بطراز حديث، إن كان بإمكاننا أن نطلق عليه حديث. فالخارج لا يشبه الداخل، وواجهات المباني حجرية تشبه النمط القديم، أما الداخل فهو غالباً ما يحتوي على أسواق أو محال تجارية، أو ربما شقق فارغة. لم يبق من العهد السوفيتي، سوى بقايا دولة، كبار السن يجلسون على الأرائك يتذكرون الماضي ويفخرون بما تم صنعه فلم يبق هنا إلا الأساطير والذكريات. انتهى بناء الشارع إلى ساحة كبيرة مدورة تحيطها مبانٍ اشتراكية الطراز بواجهات حجرية. قال كورون هذه ساحة الجمهورية، مركز المدينة، حيث تقع مبان حكومية، هذه هي يريفان، كل شوارع المدينة الرئيسية تصب في النهاية بهذه الساحة. سألني. إن كنت أستطيع العودة وحدي إلى شقة العمة مارا. أجبته بالإيجاب، فالأمر هين ولن أضيع في شارع مثل هذا. شعرت أنه يريد الهروب من أسئلتي، فالإعلام هنا مسيطر عليه من قبل الأغنياء والحكومة، والأرمن يخشون من الحديث بالسياسة، شكرته على مساعدته لي، سلمت عليهما وعدت إلى الشقة.