وعن سبب اهتمامه بإخراج هذه الأعمال يقول صاحب و"حرسني الظل"، لعله ظل والدته "بعد إصابتي بالسكتة القلبية في أواخر عام 2017، أدركت أن الحياة عابرة فعلا وأن عدم طبع وتوثيق نتاجي يمكن أن يتسبب في ضياعه أو تخزينه في الأرشيف ثم يدركه الإهمال والنسيان. وعن محتوى مولوده الجديد يقول صاحب "الجميلة تقتل الوحش" لعله الجمال الذي يميط البشاعة، " أما بخصوص ماهية كتابي "دروب الثقافة "، الذي سوف أضيف إلى الأجزاء الثمانية المطبوعة منه حوالي 20 جزء تنتظر أن ترى النور خلال هذا العام الجاري 2019م فأعتقد أنه يساهم في ترسيخ ما أدعوه بالمقال القصير المكثف الذي يرصد الظواهر الثقافية والأدبية والفكرية". ويستطرد ازراج صاحب "العودة إلى تيزي راشد" شارحا" لاشك أن هذا النمط من المقال المكثف والقصير ليس جديدا، من حيث الشكل، على مشهد الثقافة العربية مغاربيا ومشرقيا بل إن معظم كتابات توفيق الحكيم، وبعض كتابات طه حسين، والجابري وأنسي الحاج وغيرهم تدخل في نطاق التكثيف النقدي الذي يستهدف تحليل المفاهيم والأفكار. ويعلل سبب هذا التكثيف فيقول "ولاشك أيضا أن طبيعة القارئ المعاصر الذي يفضل المقال الصغير والدسم على المقالات الضخمة التي يكثر فيها الحشو والإطناب والتكرار قد دفعتني إلى طرق هذا الطراز من الكتابة التي تنجو من الممل الذي تسببه الدراسات الأكاديمية طويلة النفس، والتعليقات الصحفية الانطباعية التي لا تتجاوز غالبا جدار صوت العرض السريع أو الخبر الذي تنتهي صلاحيته فورا. كتابي "دروب الثقافة" بأجزائه الثمانية المطبوعة والأجزاء الكثيرة التي هي قيد الطبع محاولة واعية لتطوير "المقال اللمجة"، الأكلة السريعة، الذي يقدم مفهوما، أو فكرة أدبية أو فلسفية أو ثقافية ومن ثم ويسعى في الوقت ذاته إلى تطوير النقاش الفكري حول هذا المفهوم أو هذه الفكرة في عدد قليل من الكلمات ومن هنا تنبع صعوبة هذا النوع من الكتابة. وفي الواقع- يضيف السائر في "الطريق إلى أثمليكش"- فإن الثقافة الغربية قد عرفت ولا تزال تعرف هذا النمط من المقال، ولعل كتاب رولان بارت "أسطوريات" واحد من النماذج المهمة في تاريخ النثر الأدبي ذي الطبيعة النقدية. إنه ينبغي على الكاتب المعاصر أن يتفهم طبيعة عصرنا الذي يتميز بالسرعة وضيق الوقت، وعلى أساس ذلك فإن الكاتب الذي لا يقدر أن يستجيب لهذا الواقع الجديد سوف لن يخلق حوله جمهورا قارئا دائم الحضور والحوار معه. هناك من يؤكد بكثير من الحصافة أن الكاتب الذي لا يقدر أن يعبر عن قضية ما أو يبلور فكرة ما في مقال يتراوح بين 500 كلمة و1500 كلمة فإنه لن ينجح أبدا في بناء علاقة مثاقفة تفاعلية جادة ومستدامة مع مختلف شرائح القراء. يعتقد واصف "منازل من خزف" أن إحدى مميزات كتابه "دروب الثقافة" الأخرى تتمثل في النقاط التالية، تأكيد السمة النقدية المكثفة للظواهر الثقافية والفكرية والأدبية والاجتماعية وحتى السياسية. ثانيا، الانفتاح على كنوز الثقافة الغربية وإقامة الحوار معها. ثالثا، متابعة ما يطرأ من تحولات في ذبذبات واقعنا الثقافي بشكل عام وفتح النقاش حولها. وهنا يوضح عمر أزراج صاحب أاديث الفكر والادب، ليستطرد قليلا فيقول، أقصد بالنقطة الأولى، وهي السمة النقدية أو البعد النقدي للمقال القصير، أن كتابي "دروب الثقافة" يدخل من حيث الإستراتيجية في مجال النقد الثقافي كما هو مؤسس في البيئة الفكرية الغربية، وأعني بذلك التركيز بشكل قوي وصارم على نقد الأنساق الثقافية المعلنة والمضمرة في آن واحد، وأقصد بمصطلح الأنساق "تلك الأنظمة الثقافية المضمرة" التي تحرك الفرد في المجتمع دون أن يعي ذلك في الغالب، وفي هذا الخصوص فإن الناقد الثقافي البريطاني ريموند وليامز قد لفت انتباه أزراج، لأنه ينبه إلى ضرورة تأمل وفهم ما يدعوه ببنية الشعور التي تتميز بها حقبة اجتماعية أو مرحلة تفكير معينة في هذا المجتمع أو ذاك . إنه لا يكفي أن ندرس، في تقدير أزراج، ركام الإنتاج الأدبي أو الفني أو الفكري، بل فإن المطلوب هو نزع النقاب عن البنيات الداخلية التي تشكل جوهر عقلية أو ذهنية أو سلوك ما. وهذا هو ما يحاول كتاب الشاعر أزراج "دروب الثقافة" أن ينبه إليه ويشير بالتالي إلى طريقة تحقيق عملية ما أدعوه بالتعرية الفكرية للأسس التي تحرك المجتمع وأفراده. وفي هذا السياق يؤكد أزراج "فقد حاولت في هذا الكتاب متابعة جملة من المفاهيم التي تشكل القواعد الصلبة للفكر الغربي الحديث والمعاصر من خلال مفكرين ونقاد ثقافة بارزين. لا أكتفي طبعا بمجرد العرض والتقديم وإنما أعمل جاهد على التنبيه إلى طبيعة التفكير وخصوصيته في إطار خصوصية تجربة المجتمعات الغربية التي وفرت لي قدرا من التجربة في فضائها بعد قضاء 33 سنة في بريطانيا حيث كنت أقوم انطلاقا من هناك بهذه الأراضي من معاينة لتربة الفكر وحدود الشخصية الثقافية ونسب هذه بنية ثقافة هذه الأرض يقوم ماسح أو تلك. ويبدو أن أزراج لما سمى جديده بدروب الثقافة وليس سبلها المعبدة، يدرك ما يقول حتى يزيح الكسالى ممن ألفوا السهاد الفكري، الأفكار الجاهزة والعبارات الفارغة المحتوى، وحتى البنى النقدية المتلاشية، ويدعو بالمقابل إلى نظرة وعبرة وإلى العيش في العالم العولمي العالمي الشمولي، بقلب وعقل ووجدان الانسان المتكامل، فهل من سالك لهذه الدروب، بغية الوصول. للتذكير أزراج عمر شاعر وناقد ثقافي، مواليد 1949 ببجاية، يقيم ببريطانيا منذ 1986، سيرة علمية حافلة بالجهد والانجازات، ونشرت له في الصحف والمجلات المحكمة عشرات الدراسات الثقافية والأدبية والفكرية والسياسية، والترجمات الأدبية والفلسفية من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية فضلا عن كتابة ونشر المقال.