للدكتورة أنوال طامر، أستاذة المسرح بقسم الفنون بجامعة وهران، كتاب على قدر كبير من الأهمية ولو أنه لم يأخذ حقه من الانتشار، كعادة الكتب المتخصصة في المسرح في بلادنا، عنوانه «حفريات المسرح الجزائري: المسرح النوميدي في العهد الروماني» وهي من بداية الكتاب تعلن الأفق الذي تسعى إليه دراستها هذه :«رهاننا هو أن يكون المسرح ذلك الفضاء اللامحدود الذي نحيي فيه الذاكرة المنسية، ننعشها، وندعوها لمصالحة الماضي والاعتراف بوجوده، ماض قوي، شامخ، همشه التاريخ الرسمي ورفض الاعتراف به». الاعتراف بنبل الماضي الخاص بالجزائريين من خلال النبش فيما سُكت عنه وهُمّش هو مدار كتاب د.أنوال، يأتي التهميش ليس فقط من التاريخ الرسمي الذي كتبه الجزائريون، ولكن أيضا، وهو مات شير إليه الكاتبة أنّ «الدراسات الأكاديمية الأجنبية المعاصرة جدا ولاسيما لباحثين فرنسيين هو تلك الصبغة الطامسة لأي أثر للوجود النوميدي في تاريخ الإمبراطورية الرومانية». لذلك فإنّ الكتاب سيقوم بدور «الدليل السياحي» الذي يأخذ السائح /القارئ إلى ما أهم ما يجب أن يعرفه عن هذا التاريخ الذي ظل مجهولا ابتداء من تتبعه لأنطولوجية المملكة النوميدية «مملكة الأمازيغ في عهد الرومان» في جغرافيتها ومظاهر التحضر فيها وعلاقتها مع الإمبراطورية الرومانية وصولا إلى التركة الأثرية التي أبقتها الأخيرة في عهد احتلالها للأرض الأمازيغية. الواقع أنّ الباحثة تقوم في كتابها هذا بجهد مهم خاصة في الفصل الثاني والثالث من كتابها. يمارس أولهما دوره في تتبع خطوات المسرح الروماني في بداياته، بنايته، ومقارنة بينه وبين المسرح اليوناني، سينوغرافية العرض المسرحي، طريقة أداء الممثل وصولا إلى بقية مفردات الأخراج المسرحي من ديكور وإضاءة ولباس وإكسسوار وموسيقى، رقص، كما يركز هذا الفصل على «القناع» في المسرح النوميدي الروماني، وفي حديثها عن الجمهور يمكن أن نكتشف من خلال الكتاب أنّه لم ينحصر في الرجال ولكن» إشارات بسيطة هنا وهناك ومتناثرة في كتابات المبدعين الرومان تشير إلى وجود جمهور «نسوي» بالمسرحيات الكوميدية» هناك إشارة في غاية الأهمية قد لا نجد لها أثرا في هذا العصر وهي التمويل الذي يقدمه بعض أصحاب الأموال لإقامة العروض. ف«الدخول للعرض عموما مجانا والمسرح مفتوح للجميع بدون تمييز ولكن هناك دعم مالي يقدمه شخص يدعى édile praeror urbanus، وذا النوع من الاستثمار يخدم المتبرع وسمعته» وتشير الباحثة أنّ هذا ما يثير حماس ومنافسة المتبرعين فيما بينهم مما يجعل من العروض المسرحية في كل مرة أكثر بذخا وفخامة». يتحول الفصل الثالث إلى تخصيص أكبر، من خلال عنونته ب«العرض المسرحي» الذي نجد الباحثة تتقصى فيه مجموعة من التيمات المساوقة للعرض. ابتداء من المسابقات التي كانت تقام، ثم تقسيم العروض إلى نوعيها الشهيرين: التراجيديا التي تتبع موقعها من المسرح الرنوميدي وحضور الأسطورة فيها ثم الكوميديا، الميم والبانتوميم. يتم التركيز أخيرا على شخصية «تيرانس» 190-159 ق م، الذي تقول بعض المراجع أنه كان عبدا معتقا إفريقي الأصل» غير ان الباحثة تنبه إلى أنّ العبوية تعني عند الرومان كل شخص رفع السلاح في وجه روما، يفقد حقه في الحرية وما العبودية إلا تخليصه من عقاب الموت»، كما يمكن أن يكون أباه هو من وقع في الأسر وولد ابنه عبدا. تخصص الدكتورة طامر جزءا هاما من هذا الفصل لتشريح البنية الدرامية لكوميديات تيرانس ثم شخصياته ولغته المسرحية. لتشير بعدها إلى فنون العرض الأخرى التي ظهرت في البلاد، وتختم بعلاقة «السلطة بالمسرح» التي تبيّن ابتداء أنها أوسع من نظام الحكم المسيطر على المنطقة لتشمل «مراكز ضغط متعددة ومتنوعة تتغذى من المنع والرقابة لتستمر في بسط سلطتها على المنتوج الفني والمعرفي عامة» ينتهي الكتاب بمجموعة من الاستفهامات،ليتأكد لنا أنّ المسرح سؤال دائم، وعود أبدي إلى ساحة التفكّر والرغبة في المعرفة دون أن نغض الطرف على فكرة أساسية: أنّ المسرح ليس أبدا دخيلا على هذه الأرض ولا غريبا «وبداياته ليست مع دخول فرقة جورج أبيض كما يزعم الكثير من الباحثين».