وأنا أجالس بين الحين والآخر رجالات المسرح الذين بلغوا من السن عتيا، وأنا أستمع إليهم سواء في المكتبات أو المقاهي وإلى غير ذلك من الأماكن التي أتواجد فيها معهم، بعدما غابوا بالتقاعد أو غيبوا بالقعود رغم أنهم في أوج عطائهم وكما أن الفن لا يتقيد بسن معين على ما أعتقد، أحس بحسرتهم وآهاتهم وأحيانا لومهم وكأنهم يقولون ماذا تقول عنا العرب هل شباب المسرح يقودون شيوخها؟؟. في كل البلدان التي تهتم بالثقافة عامة وبالمسرح خاصة البالغين من السن تكن لديهم تجربة أكثر يمكن الاستفادة منها، يقال أن العلم يؤخذ بالتراكم وكذلك الفن إن لم أكن مخطئ، فالملاحظ أن العلاقة التبادلية بين جيل الشباب وجيل الشيوخ تتسم بنوع من الفتور في بعض جزئياتها في مسرحنا، والواقع يدل على وجود إشكالية في التفاهم والخطاب قد تصل حد الرفض، وقد ترتقي لتصل إلى حد التهميش وفقدان الثقة، كل في تعامله مع الآخر، وتجارب الحياة بقديمها وحديثها تكشف عن اعتلال الوضع العام حين يصل الأمر في العلاقة بين الجيلين حد التصادم، وهذا ما نلاحظه على التجارب المسرحية الحالية حيث تفتقد إلى نوع من التعاون الصحي بين الجيلين، وعلى هذا الأساس تتوقف العجلة عن الدوران الطبيعي وتجمد الطاقات البنائية في المسرح لسبب بسيط أن القطبين لا يلتقيان، فحق للحب ألا يُطحن وللفن أن يجمد وللطموحات والأحلام الفنية أن تتكسر على واقع أليم. وليس مجهولاً أن أحد هذين الطرفين لا يستغني عن الآخر في رحلته الحياتية كما في رحلته الفنية، فالعلاقة بينهما علاقة تكاملية أصلاً تبادلية فرعاً، فالأب يربي أبنه وينمي غرسه حتى يشتد عوده ، وهذا الابن يتحمل مسئولية رعاية والده في كبره ، كما أن الابن يحتاج في مسيرته نصيحة الأب ومشورته، فيما يحتاج الأب عون ولده وقوة ذراعه وسعة آفاق الحياة في عينيه، فأي اختلال في تركيبة العلاقة بينهما قد ينسف هذه الأدوار ويبدلها بأدوار أخرى فيصبح الولد مصدر قلق وإزعاج فيما يغدو الأب جلاداً ومُقيداً يضيق الوسيع من خلق الله وقدرته في عين ولده، وقد يصير العكس يصبح الولد عاقا ويرمي أباه في دار العجزة ويخرجه من داره-المسرح- عنوة. إن تطوّر العلاقة بين الجيلين وسيرها في المسار الصحيح يبني آفاقاً أرحب في المسرح ومناخاً أفضل للحياة بكل فصولها في أبي الفنون، فالتعاون وتعاضد خبرة الكبار مع طموح وقوة الشباب أقدر على إنجاز كل مشروع فني، وهي كذلك أقدر في منح هذه العلاقة بعداً عطائياً يمنح فيه الأب عصارة تجاربه وما علمته الحياة لابنه فيمنح هذا الابن قاعدة من الخبرة والتجارب يستند عليها وهو يصارع أمواج حياة تلطم به صخور الواقع كل حين . ليس عجيباً أن يرتقي مجتمع تشكل العلاقة بين الأجيال فيه واقعاً ملموساً من التعاون والتبادل والنصح والاستشارة، علاقة يغلفها الاحترام ويؤطرها التقدير للآخر والفهم بأن العمل المسرحي يتحمل الكثير، فهو يتحمل شاباً وشيخا يبنيان مشروعاً فنيا كلٌ على قدره وحسب مقدرته، فأحدهما ليس كالآخر بل هو مكمل له، على أن السعي لتحجيم الشاب وصياغته في قالب تقليدي من طرف الشيخ أمر غير مقبول، وتهميش الشيخ من طرف الشاب وركنه على جنب كذلك أمر مرفوض، فلكلٍ فهمه وطريقته في التفكير والتعامل مع الأمور هذا أمر طبيعي يؤخذ في الحسبان، لكن الاختلاف لا يعني أبدا الخلاف، والواجب أن نتقبل ذلك وننطلق من هذه القابلية لنبني شاباً يحترم خبرة آبائه ليستفيد منها فيما يحتفظ بخصوصيته في التعامل مع الأمور وينظر لها بعين الشباب، عينٌ تظللها رموش خبرة وتجارب الشيوخ والإبحار في بحر الفن عامة والمسرح خاصة دون غرق، وحتى لا تقول عنا العرب شباب المسرح يقودون شيوخها؟؟.