يبدو أن كلمة التغيير التي تعني أيضا التجديد أو التطوير غير مرحب بها عند بعض المحسوبين على الفن الرابع. و التغيير الذي أقصده هنا هو بالمفهوم الإيجابي الذي يهدف إلى تحسين أي مردود أو عمل أو فكرة و ما إلى ذلك. هذه الكلمة الصغيرة في الحجم و الخفيفة في النطق كبيرة و ثقيلة و شاقة و مرعبة عند هؤلاء إلى درجة جعلتهم يحبذون لو أنها لم تكن أصلا موجودة في كل قواميس لغات العالم. و بالرغم من أن التجديد يهدف إلى تحسين القدرات لضمان نجاح أي عمل أو تحويله من غير مفيد إلى نافع . فمن البديهي أن لا يجد مقاومة أو رفضا طالما أن المغزى منه هو نجاح العمل الذي سيعود حتما بالمنفعة على صاحبه. لكن و للأسف الشديد ما يحدث عندنا ليست مجرد مقاومة بل هي حرب ضارية على رغبة التغيير و الراغبين فيه معا. و بالرغم من أنهم و لحسن الحظ «بعض» ، إلا أن و لسوء الحظ هؤلاء البعض هم ممن يتحكمون في مقاليد تسيير بعض مسارحنا. يبدو أنك عزيزي القارئ لاحظت جليا أنني أؤكد دائما على كلمة بعض كي لا أحرج البعض الآخر. و كل بعض يعرف بعضه بالعمل أو بالكسل. لكن هذا لا يهم بل المهم هو حال مسارحنا التي شلها الروتين القاتل عن الحركة و حولتها انعدام الرغبة في التطور و التقدم من خلال تجديد الأفكار و التجارب المسرحية و كسر حواجز الإقصاء في وجه الموهوبين من الشباب، و صقل المواهب و تشجيعها على مواكبة العصرنة في جميع المجالات التي تعنى بالمسرح ، إلى ركح مهجور و خشبة بدون جمهور. لكن ترى ما الذي يجده هؤلاء من مصلحة لإبقاء المسرح على هذا الوضع القاتم الذي هو عليه ؟ ما الذي جعلهم يحولون هذه الصروح الثقافية من فضاءات للإبداع و الإنتاج الفني إلى مؤسسات عاجزة تستهلك أكثر مما تنتج؟ و لتبرير هذا الخمول الفني يعيدون أسبابه إلى ما وصفوها بسياسة التقشف التي انعكست سلبا حسبهم على الإنتاج نوعا و كما، و جعلتهم يقلصون الجديد و يجددون القديم. و في حقيقة الأمر فأن الفن الرابع لا يحتاج إلى أموال طائلة و لا إلى إمكانيات هائلة ليكون رائعا. و الدليل على ذلك تلك الأسماء التي ظلوا يختبئون وراءها كلما استوقفهم التاريخ بسؤال ماذا قدمتم للمسرح؟ يستنجدون بأسماء لشخصيات صنعت الروائع من شبه العدم ، شخصيات لم تكن تحتاج لأموال قارون لتبدع و تقنع ، أسماء فنية وإبداعية ذات صيت عالمي. فتراهم يجيبون بدون حرج و لا حياء لقد كان فلان و فلان.. و هم يدركون جيدا أنه ليس الفتى من يقول كان أبي و إنما الفتى من يقول ها أنا ذا. و كأن بهم يقولون لقد انتهى مجد المسرح مع رحيل علولة، مجوبي، بوقرموح، كاتب ياسين...وآخرين . فهل توقفت الرحم التي أنجبت هؤلاء العظماء عن الإنجاب؟ و هذا في نظري إما أن يكون استهتار و استخفاف بالأمانة التي مات من أجلها هؤلاء العظماء ، و إما أنهم ليسوا أهلا لها إطلاقا. لأن العوامل التي يتحججون بها لتبرير عجزهم هي نفسها التي يواجهها آخرون بأقل إمكانيات لكن بعزيمة أكبر. عزيمة استخلصوها ممن وهبوا حياتهم ليعيش أبو الفنون و هنا مكمن النجاح و الفشل معا عند هؤلاء و أولئك. العربي مفلاح