منذ أيام قليلة جلست بعد العصر في مقهى الناصر بحي ايسطو أنتظر حضور زملائي لنرتشف سويا إما قهوة أو شايا ، وقبل أن يلتئم شمل الرفقاء حول الطاولة لتبادل الآراء في اليوميات المتفرقة ، تناهى إلى سمعي من الطاولة المجاورة جدال صاخب بين شابين عن مباراة في كرة القدم جمعت بين أحد الأندية الجزائرية ونادي عربي غادر أرضية الملعب قبل انتهاء الوقت القانوني للمقابلة.احتجاجا على شعارات وهتافات رددها مشجعو النادي الجزائري استفزت ونرفزت لاعبي النادي العربي ودفعتهم باتجاه غرف تغيير الملابس. التحق بالشابين مشارك ثالث لم يسايرهما في جدالهما العقيم ، بل أشار إلى لا احترافية البطولات العربية بأكملها. معللا رأيه بسرعة تأثر و انهيار اللاعبين العرب نتيجة ضعف التركيز النفسي والعقلي لديهم. ، ناهيك عن تواضع تحضيرات النوادي العربية لمختلف المواعيد الكروية مقارنة باستعدادات الفرق الأوروبية للمنافسات المختلفة، انقطعت للحظات عن متابعة حوار جيراني وقفز إلى رأسي فجأة تساؤل غريب يا ترى مادا لو غادر الممثلون يوما خشبة المسرح نحو حجرات تبديل الملابس قبل انتهاء زمن العرض المسرحي ؟ و بينما أنا شارد أبحث عن إجابة لهذا التساؤل الافتراضي. حضر أحد أصدقائي المنتظرين. وما إن استوى على كرسيه ، حتى أطلعته عما يجول في خاطري وطلبت إليه أن يجاريني في البحث عن افتراضات محتملات لهذا التساؤل الغريب.استغرق صديقي بضع لحظات في التفكير ثم قال لي في المسرح قد يتسلل الجمهور إلى خارج قاعة العرض تباعا. وقد شهدنا معا عروضا مسرحية مثلت أمام حضور لا يتعدى عدد أصابع اليدين.ومع ذلك واصل الممثلون أداء أدوارهم إلى نهاية المسرحية.تفكرت مليا فيما قاله صديقي. وأومأت برأسي موافقا رغم عفوية و بساطة تحليله.قام محدثي من مكانه وقطع الطريق باتجاه محل الفليكسي. وقبعت في مكاني أفتش في ثنايا ذاكرتي عن حادثة تنبي باحتقار فناني المسرح يوما لجمهورهم. فلم أجد .بل بالعكس.فثمة فنانون عبر العالم نهشتهم الأمراض والفقر وشظف العيش و طالهم التعذيب والتشريد و التكفير و الإنكار والتصفية الجسدية على مرأى ومسمع من جماهيرهم العريضة . ذكر لي أحد عمال المسرح الجهوي لوهران أنه كان رفقة الراحل عبد القادر علولة بإحدى المدن الداخلية بالغرب الجزائري لأجل تقديم عرض حمق سليم في أمسية ممطرة و شديدة البرودة .ولما زف موعد العرض.وجد علولة نفسه أمام 12 متفرجا لا أكثر.فصعد إلى الخشبة وقدم العرض كاملا احتراما لهذا الجمهور الذي سرى إلى المسرح متحديا البرودة الشديدة والأمطار المتهاطلة. عاد صديقي و وجدني باسم الثغر.فرويت له قصة علولة والإثنى عشر متفرجا، فصاح في وجهي من العجب اعترف سبقتك إلى هذه النتيجة. بالفعل يا صديقي لقد سبقتني بعفويتك إلى ما استغرق مني ساعة من الإطراق و التفكر. صدقت فشتان بين المسرح وجمهوره والكرة وجماهيرها...