العدالة ليست مجرد مبان و قصور شاهقة، أبدع مهندسون و معماريون في إنشائها، و هي ليست محصورة في الكم الهائل من أوراق الأرشيف و العرائض المتراكمة و لا في أجهزة الكمبيوتر التي اكتظت بها المكاتب و المصلحات و لا في عدد القضاة و المنتسبين إلى نقابة المحاماة و لا في نسبة المتخرجين من كليات الحقوق و العلوم القانونية و لا فيما تصدره السلطات المختصة من مراسيم و لوائح و تشريعات ، بل العدالة قبل و بعد كل شيء إحساس و شعور بالعدل . قمة العدالة أن يشعر المواطن البسيط أن حقوقه المدنية و السياسية الأصلية أو المكتسبة مصانة و محمية بسياج القانون لن يجرأ أحد مهما علا شأنه و تمدَّد نفوذه أن يتجاوزها و يتوغل إلى داخلها ، العدالة أن يلجأ المتقاضي بخطى ثابتة إلى مقر المحكمة بغض النظر عن بهرجتها العمرانية و آخر صيحاتها الإلكترونية و هو على أتم الثقة بأنها ستصدع بالحق حتى و لو كان خصمه في القضية من هو على رأس المحكمة ، العدالة أن يضع المواطن رأسه على وسادة الأمان و الاطمئنان متيقن أن جحافل الطلبة المتخرجين من كليات الحقوق و الموظفين و الإطارات الجالسين في قصور العدالة حفظوا عن ظهر قلب أن حقوق المواطن مقدسة لا يمكن المساس بها و أن العدالة قبل و بعد كل شيء إحساس بالمواطنة بلا درجات و بدولة القانون و بالمساواة .