سوناطراك توقع بروتوكول اتفاق مع الشركة السويدية تيثيس أويل إيه بي    التقاطعات الخارجية والوقائع الغامضة في حرب السودان!    ياسين بنزية يكشف حقيقة رحيله عن كاراباخ    كأس الجزائر : عملية القرعة تقام اليوم بمقر التلفزيون العمومي    أيام قبل موسم الاصطياف : عنابة تحضر للمواقع السياحية ومخطط الحرائق    بمناسبة الاحتفالات المخلدة ليوم العلم بقسنطينة.. نقل مكتبة العلامة عبد الحميد بن باديس رسميا إلى جامع الجزائر    يعرض 7 أعمال سينمائية فلسطينية تباعا طيلة أيام التظاهرة .. "فيفا -تحيا- فلسطين" برنامج خاص في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    السيد قوجيل يشيد بالاستراتيجية المنتهجة في التكوين للجيش الوطني الشعبي    إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين المحررين : خرق صارخ لصفقات التبادل تغذيه نزعة انتقامية صهيونية    إنعقاد الدورة الأولى للمجلس الإستشاري لمعرض التجارة بين البلدان الإفريقية بالجزائر    التحضير لنموذج طاقوي وطني يسمح ببناء رؤية استشرافية    العرباوي يستقبل سفير جمهورية البرتغال لدى الجزائر    بتكليف من رئيس الجمهورية.. عطاف يقوم بزيارة عمل إلى نيويورك    سيدي محمد عمار يجري مباحثات مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية    حوادث المرور: وفاة 47 شخصا وإصابة 2017 آخرين بجروح خلال أسبوع    غزة: وزارة الصحة تحذر من كارثة في القطاع حال توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات    الكرة الطائرة/البطولة الإفريقية للأندية: فوز جمعية البليدة على نادي الأمل الكونغولي (3-0)    تنويه بدور الجزائر المحوري داخل مجلس الأمن    يخص المترشحين الأحرار في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط: انطلاق الامتحان في مادة التربية البدنية والرياضية يوم 8 ماي    أي دور للجامعة في الفضاء الاجتماعي؟    كعباش يفوز بكأس تركيا لكرة اليد    رفضت تأهيل ملعب بكامبالا واللقاء في بلد محايد: الكاف تمنح الخضر امتيازا قبل مواجهة أوغندا    في وقت تضاربت الأسباب ما بين "إعفاء" وعقوبة: استبعاد دحان بيدة من إدارة لقاء سوسطارة ونهضة بركان    روسيا حريصة على تطوير شراكتها بالجزائر    الجزائر تحتضن المعرض الإفريقي للتجارة البينية    وليد يعرض بسويسرا جهود الجزائر    دعت إلى وضع حد لآلة القتل الهمجي للشعب الفلسطيني: الجزائر تحذر من اتخاذ الرد الإيراني ذريعة لاجتياح رفح    في ذكرى يوم العلم..    "نوافذ على الآخر" كتابٌ جديد للدكتور أزراج عمر    قراءة في رواية « باب القنطرة» للكاتبة نجية عبير: «السّيّدات» .. انظر ما يوافق تربة قلبك وانثره فيها    وفق تقرير لجامعة هارفرد: الجزائري سليم بوقرموح ضمن أهم العلماء المساهمين في الطب    عين عبيد: مطالب بالتهيئة والربط بالشبكات بقرية زهانة    انطلاق فعاليات أسبوع الوقاية: جمع 3790 كيس دم خلال شهر رمضان    عملية الجني انطلقت جنوب ميلة: توقع مردود يفوق مليون و 630 ألف قنطار من الثوم    توقيف لص والقبض على عصابة اعتداء: وضع حد لعصابة سرقة المواشي بباتنة    وهران.. أكثر من 200 عارض منتظرون في الطبعة 26 للصالون الدولي للصحة    حجز 29 طنا من الكيف و10 ملايين قرص مهلوس    محافظ بنك الجزائر يشارك في اجتماعات واشنطن    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    انطلاق عملية حجز التّذاكر للحجّاج المسافرين    جوان حجام يتحدث عن علاقته مع بيتكوفيتش    لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطين المستقلة    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    جهود لإبراز المقومات السياحية لعاصمة الصخرة السوداء    عصرنة خدمات "بريد الجزائر" لرفع مستوى الخدمة العمومية    20 مليون يورو لمن يريد عمورة    تراجع مقلق في مستوى بكرار في الدوري الأمريكي    المعتصم بالله واثق ميدني.. الطفل الذي أزهر عالم الأدب    ضبط 17كيسا من الفحم المهرب    استحضار الذكرى 26 لرحيل العقيد علي منجلي    إطلاق مسابقة حول التكنولوجيا الخضراء بجامعة قسنطينة(3)    إبراز المصطلح بين جهود القدماء والمحدثين    فرصة للاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية الجزائرية الأندلسية    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    تمكين الحجاج من السفر مع بعض في نفس الرحلة    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    قوجيل يهنئ الشعب الجزائري بمناسبة عيد الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يتامى حرائق البحر؟
جمهورية واسيني الثانية
نشر في الجمهورية يوم 05 - 11 - 2018

ومدينة مغنية تستعد للاحتفال بذكرى القاص وعالم الاجتماع، عمار بلحسن من خلال ملتقى جامعي يستعيد جهوده الثقافية والابداعية، جامعتها الفتية، تذكرت حادثة مفرحة يوم فوجئت بنشر أول مجموعة قصصية له: حرائق البحر، في بغداد. وكان ذلك حدثا استثنائيا في حياته الأدبية. أعادتني تلك الحادثة إلى جريدة الجمهورية التي كانت أول جريدة جزائرية احتفت بعمار في لحظة تلقيه مجموعته. لهذا أقول دائما إن الجمهورية لم تكن جريدة فقط ولكنها كانت جمهورية من الفرح والحرية وذاكرة مدينة وربما وطن. كان اليوم ممطرا وجميلا حينما غادرنا حي شجر اللوز حيث كنا نقيم، أنا وصديقي الإعلامي المرحوم محمد براندو وعمار بلحسن باتجاه بريد وهران المركزي. قطعنا شارع أرزو قبل أن ننعطف منحدرين يسارا قليلا باتجاه بريد وهران. قال عمار أنه أمامه خمسة عشر يوما لاستلام رسالة مسجلة لا يعرف من أين؟ ونحن نعبر الشارع ضحك عمار وقال ربما الرسالة التي تنتظرني هي دعوة لقضاء عطلة في جنة الكارايبي مثلا. قبل أن يقول بالمسيردية ساخرا كما تعود أن يفعل: اكبط (أقبض) اللرط (الأرض) با وليدي أنتينا (أنت) ما انتاع الهمة. نيفك طويل مليح للشمة. ضحكنا طويلا، لأنه قلب أغنية كانت تقولها نساء امسيردا في السخرية من الجنرال دوغول. دخلنا إلى البريد. أعطى للشابة الأنيقة الورقة التي كانت بين يديه. غابت قليلا بين الخزائن الحديدية قبل أن تعود. كان سعيدا مثل طفل وهو يفتح غلاف الرسالة التي تشبه طردا صغيرا. قلبها بين يديه. ثم ضحك: يبدو أن الأمر مهم. هذه من صديقي الكاتب الروائي العراقي الكبير عبد الرحمن عبد المجيد الربيعي الذي كان وقتها في عز عطائه بالعراق. ثم أفشى لنا عمار عن سر كان يحفظه. فهو كتوم بطبعه في كل ما يتعلق بالكتابة: النشر في بلادنا صعب. لقد غامرت وبعثت يمجموعتي الأولى حرائق البحر، إلى الروائي الكبير عبد الرحمن الربيعي لنشرها في العراق. وقلت في خاطري واش راح يصيري. إذا ما عجباتوش يرميها في القمامة وخلاص. لكن أجرب. وجربت. بلادنا من هذه الناحية مغلقة. لا تقدم لنا شيئا. النشر هنا كمن ينتظر غودو الذي يعود ولا يعود. قدمتها منذ سنوات وعلي أن أنتظر أكثر حتى تنشر في حالة قبولها. ثم فتح الرسالة المنتفخة قليلا وإذا به يجد فيها مجموعته الأولى: حرائق البحر التي نشرت في العراق. في وزارة الثقافة. واووووووو غير معقول. حرائق البحر في كتاب؟ ثم بدأ يستنشقها ورقه ورقة. ويتلمسها كمن يكتشف كتابا لأول مرة. طولا وعرضا. كان في قمة سعادته. وكان ذلك حقه الأدنى. كان عمار على رأس كوكبة بكامله. جيل قصصي جديد. لم يكن أحد من كتاب القصة القصيرة ينافس عمار. في خصوصية ما كان يكتبه. بل يتحول إلى ظاهرة قصصية وطنية. لم يكن ذلك إلا تجسيدا لتفوقه القصصي قبل أن يسرق البحث الاجتماعي الكثير من جهوده. اخذت المجموعة بين يدي. كان كتابا جميلا وكنا سعداء بأنه أخيرا استطاع أحدنا اختراق حاجز النشر في كتاب. لم يكن الأمر سهلا مثل اليوم. نشر كتاب كان يعني ببساطة أنك أصبحت كاتبا. كم يبدو سعيدا من يطبع كتابا وقتها؟ كنا قد بدأنا نخترق حيطان العزل العربية. كنا قد نشرنا قصصا كثيرة في مجلة الموقف الأدبي والأقلام وقضايا عربية والثقافة العربية ومجلة العربي وغيرها. إضافة إلى المجلات الوطنية كالثقافة وآمال والمجاهد الأسبوعية. كانت الأكشاك والمكتبات الجزائرية تعج بالمجلات الفنية والسياسية والأدبية العربية. للأسف، كان الاعتراف وما يزال، يأتي أكثر من الخارج كما دائما. النشر في المجلات العربية كان يكسبنا بعض المشروعية. مدهش أن تجد قصتك مصفوفة بجانب حيدر حيدر، حنا مينة، زكرياء تامر، شوقي بغدادي، ومحمد الخضير، ومحمد شكري، وغيرهم. أن ينشر لك كتاب في بلاد عربية فهذا يعني أنك وضعت رجليك في المدار الصحيح وأنك أصبحت تكتب شيئا يقرأ، لا أدري، في ظل سهولة الطباعة اليوم، اذا ما كان الإحساس نفسه عند الشباب؟ أظن لا. والأمر طبيعي جدا. لم يعد نشر كتاب هو التيه في صحراء لا نهاية ولا مؤديات لها. رائحة الورق والحبر كانت لها قيمة وخاصية نفسية مدهشة في جيلنا. فهي تبقى ماثلة في الأنف زمنا طويلا، تذكر الكاتب الشاب المقدم على المغامرة، بأنه تخطى عتبات أرضه التي تلصقه بقوة بتربتها. عدنا إلى جريدة «الجمهورية». في قسم التحرير، صورنا غلاف مجموعة حرائق البحر. تأملت عناوين قصص المجموعة. كنت قد قرأتها كلها عندما نشرت بالجرائد والمجلات الوطنية، ثم إن أغلبها فاز بجوائز وطنية. جائزة وزارة التعليم العالي للقصة أو جائزة وزارة الإعلام والثقافة. أردت أن أكتب شيئا سريعا في شكل إعلان مفصل عن المجموعة. وهو ما فعلته مسترجعا موضوعات وبنيات قصصه. ثم سألت عمار الذي كان وقتها ويدرس علم الاجتماع بجامعة وهران التي كنت أدرس بها الأدب العربي: كيف تحس يا عمار وأنت ترى اسمك مختوما على رأس كتاب؟ صمت.
قليلا ثم قالها بلغة امسيريدة تشبه لغة ناس تليوين: آودي يا خاي راني مفكوع (مفقوع) بالفرحة. غير سيدي ربي اللي يعرف واش شاين (كائن) في كلبي (قلبي) ضحكنا طويلا. ثم أصبح أكثر جدية: أنا اليوم تأكدت بأن لي مكانا في الأدب العربي. صحيح حصلت على جائزة وزارة الثقافة عن قصة حرائق البحر والأصوات، ولكن ان تنشر كتابا خارج أرضك وفي وزارة ثقافة بلد اخر، هذا يعني أنك تملك شيئا من العربية يؤهلك للإبداع براحة، ويمكن أن تباهي به العرب.
أنا أشكر صاحب الرواية العظيمة الأنهار الروائي الكبير عبد الرحمن عبد المجيد الربيعي الذي تنبه للكثير من المواهب العربية. الفضل يعود له. النشر عندنا يتطلب انتظارا بين خمس سنوات إلى عشرين سنة، إلى العدم واللانهاية، وعليك ان تنتظر طويلا وتربي الأمل في ان تنشر يوما ما، قبل وفاتك وتوديع الدنيا بحسرة قاهرة. نحن الذين نكتب باللغة العربية يتامى. لا أحد يساعدنا إلا جهدنا الخاص. والخاص جدا. نحاول ولا ننتظر. النشر خارج البلد مهم جدا، رصا حوحو، أبو القاسم خمار، أبو القاسم سعد الله، الدكتور عبد الله الركيبي، الطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة وغيرهم فعلوا الشيء نفسه، لولا الطباعة خارج بلدانهم ما كانوا ظهروا. كان كلام عمار صحيحا. والسنوات التي تلت بين عمق فكرته. أنهيت الإعلان المفصل عن صدور مجموعة حرائق البحر.
ثم ودفعت بالمادة إلى التحرير، وغادرنا الجريدة نحتفي بطريقتنا بهذا المولود الجديد، نحو مكان دافيء كنا نرتاده عادة كلما توفر بعض الوقت. هناك جلسنا، في مقهى- بار السينترا، حول طاولات هي في شكل براميل خشبية التي يتم فيها عادة تعتيق النبيذ. وغرقنا في روائع القهوة والجعة الوهرانية الباوُ، والكوتو التلمساني مستعيدين بحماس فرحة مجموعة حرائق البحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.