يعتبر اليوم موضوع الاتصال الالكتروني والتعامل مع الفضاء الأزرق والشبكات الاجتماعية بكل التقنيات من مواضيع الساعة الحساسة بالنظر لعلاقتها مع التفاعل و التأثير الاجتماعي بكل أبعاده... وحتى في البحث عن التعريف اللائق بالاتصال فإننا سنجد أنفسنا أمام آلاف التعاريف التي يصعب عليها إنصافه والتوقف عند تعريف جامع مانع.. وشخصيا أجد في تعريف المرصد الدولي للاتصال المرجعية الشاملة حيث يصفه بأنه أي الاتصال حالة عقلية للاختراع والاستغلال مما يعني أن الاتصال سيعرف مستقبلا جد متطور تقنيا و عملياتيا وحتى إجرائيا وتأثيرا مباشرا وغير مباشر.. وبالفعل كما جاء في سؤالكم الأول فان العلاقة بين التواصل الاجتماعي والرأي العام أثبتت الدراسات المعمقة أن التفاعل بينهما هو دائما في ازدياد وتناغم وكذا تأثير يبني معاني وتصورات تصل إلي حدود المواقف من العديد من القضايا وهي حساسة في العديد من إشكاليات المجتمع. بل أبعد من ذلك تؤسس لسلوكات وتصرفات وهو ما نلاحظه اليوم وبكل وضوح داخل الشبكات الاجتماعية بكل أصنافها وتوجهاتها حتى أن هناك اليوم نظرية تدرس داخل الأقسام المتخصصة تعرف ب فلسفة الشبكات . وحتى الرأي العام أو ما يعرف بالديموسكوبيا ازدادت ارتباطاته بالاتصال الالكتروني باهتمام بعضهما بالبعض خاصة في المواعيد الانتخابية والمواقع السياسية وكذا تحديد مصير السياسات العامة وبالدقة توجيه الراي العام و التأثير عليه إضافة إلى حساسية العامل الآخر وهو الفضاء العام وما يمنحه من فرص سانحة لربط العلاقات وبناء التوافقات ومنها المواقف وتنسيق الرؤى حول العديد من المواضيع الوطنية والدولية. فلم يعد هناك شك حول حساسية العلاقة التفاعلية بين الرأي العام المتكون من الأفراد والجماعات والجمعيات ومواقع التواصل التي تصنع كل يوم ثورة ضمن المتغيرات الجديدة. و من جهة أخرى دفع منذ مدة بالحكومات والدول منح العناية الكاملة والمستمرة لظاهرة التواصل الاجتماعي من كل النواحي وهذا طبعا للحفاظ علي التوازنات أو ما يمكن تسميته الأمن الاجتماعي الالكتروني. أما لماذا وصل الأمر إلي الاستغلال غير المحدود إلى حد التجريح و الإساءة و تزوير الحقائق ضد الأشخاص والمؤسسات في غياب الموضوعية و الأخلاق الاتصالية ؟ فمن المنطقي أننا لاحظنا أن تلك المواقع الاتصالية تتمتع بهامش كبير من الحرية وممارسة الاتصال و إصدار كل أنواع الأخبار وحتى الدعايات المشبوهة مما يخلق للمجتمعات مشاكل عديدة في غياب وسائل الرقابة القادرة على الحد من الظاهرة والوقوف أمام ما يمكن اعتباره مهددا للسلم الاجتماعي و المؤسساتي. واليوم الواقع العملي يؤكد لنا أن الحكومات والدول تسعى جاهدة وبتطوير التقنيات للحد من تجاوزات مواقع التواصل الاجتماعي.. هدا طبعا يؤدي بنا إلى ذكر ما يعرف بسياسة المنع والحجب مما يتطلب قوة اتصالية سريعة وفعالة للتكذيب والتصحيح ونفي ما يروج له. وبلادنا اليوم كباقي الدول تعاني الكثير من الاشكال رغم أن المسؤولين عندنا يعترفون بضعف اتصال مؤسسات الدولة و تأخرها الواضح في إعداد برنامج ومخطط قادر على حماية أمننا الاجتماعي و المؤسساتي.. طبعا فئة الفابسبوكيون يعيشون عالما افتراضيا يتمتعون فيه بالحرية الكاملة لنقل الأخبار وتوزيعها والتعليق عليها وتحديد المواقف وهذا في حد ذاته ايجابي ويدعم مبدأ الديمقراطية والحرية وهده ظاهرة ساهمت في بناء العديد من التوجهات ولنا فيما يسمى (الربيع العربي) خير مثال لمنطقتنا العربية وما قدمته وفعلته مواقع التواصل الاجتماعي وما تحقق من إسقاط لحكومات و أنظمة مما جعل الدراسات العديدة تؤكد العلاقة التأثيرية والتفاعلية بين مواقع التواصل الاجتماعي وواقعية التفاعلات والمطالب والطموحات الفردية والجماعية. الفايسبوكيون اليوم هم في صدارة ما يعرف بالسبق الخبري من كل الأنواع ومن كل المواقع الجغرافية مما وضع العديد من مصادر الخبر أمام منافسة شرسة لا ترحم حتى أن وكالات الأنباء و الأخبار راجعت سياساتها العملية أمام الظاهرة.. إن الجزائر بطبيعة الحال و أمام الحصيلة الصعبة في رؤية الفايسبوكيون تزعم المواقع لا تزال تتخبط بمكانها ولم تقرر عاجلا الاستعانة ببرامج في مستوى التحديات وخاصة الرهانات المطلوبة أمام ما ينتظر مجتمعنا ومؤسساتنا من تأسيس و لعب للأدوار المتقدمة. إنها فعلا أوضاع يعترف بها المسوولون بالفشل وضعف الاستثمار في إعداد مخطط وطني الكتروني و فضائي ازرق بكل المواقع والمنابر وكذا سياسة تنسيقية فعالة ومواكبة للتطورات.. إن مفهوم الأمن القومي الجزائري يبدأ أولا بشبكة اتصالات قوية ومحصنة ومستمرة مع المستجدات والمتغيرات.. فالتواصل الاجتماعي هو نعمة ودرجة متقدمة من التفاعل والتخابر وتوسيع نطاق الاتصال الجواري المفهوم الجديد في التسيير والتدبير وتلبية الحاجيات المتزايدة ، وفي نفس الوقت يعتبر التواصل الاجتماعي ورقة ضغط وحتى تهديد بما يشكله من خطورة ملازمة تجاه استقرار المجتمعات والدول نفسها.. و رهان الدول المنظمة والواعية بمسؤولياتها هو في درجة تحكمها في التحدي الالكتروني الذي يبهر كل ساعة بتكنولوجيات اتصال متقدمة ومعقدة وفعالة وبثقافة تأثير لها لغتها و أساليبها و مصطلحاتها ومناهجها وكذا أهدافها المرصودة والمتخفية ضمن معركة واضحة بين العديد من المخططات والبرامج والاستراتيجيات.