أمام عجزنا الرهيب في منافسة الغرب علميا و تكنولوجيا و فلكيا و فنيا كنا نلجأ إلى إرثنا الحضاري و رصيدنا الإنساني نحفظ به ماء الوجه فقد كانت بخلاف الغرب علاقاتنا العائلية متينة و قوية و منظمة بشكل هرمي جميل فلكبير العائلة هيبة و احترام و مقام عال ، لكن و مع ركوض السنين في صمت مفاجئ تبين أن حتى هذه الميزة شطبت من قائمة إنجازاتنا الحضارية فقد صفعتنا الأخبار المتهاطلة آنيا في مختلف الوسائل الإعلامية القديمة منها و الحديثة عن اكتشاف جثث متعفنة و متحللة لكبار في السن داخل شقق و منازل بعدما عاشوا معزولين و ماتوا وحيدين لم يجدوا حتى من يكرمهم بدفن سريع رغم أن أشجارهم العائلية طويلة الفروع و الأغصان ، و ربما هؤلاء أحسن حظا من آخرين وجدوا موتى على قارعة الطرقات فعلى الأقل فإن المنتمين إلى الصنف الأول فاضت أرواحهم وسط جدران حمتهم من قسوة البرد و تسلط الحر . و من أراد الاطلاع أكثر على حقيقة علاقاتنا العائلية اليوم فما عليه إلا الاتجاه إلى المحاكم فالصدمة و الحزن و الألم مضمونين و أنت تستمع إلى أفظع القصص و أبشع الحوادث عن أبناء سبوا و ضربوا آباء بلغوا من الكبر عتيا بسبب المال و محاولة إرثهم و هم أحياء ،و من قصور العدالة يمكنك الانتقال إلى ديار العجزة و الرحمة لترى بأم عينيك رجالا و نساء عند غروب العمر يسردون كيف حجب عنهم فلذات أكبادهم شمس الحياة فعاشوا في ظلمة القهر و الجحود . و من أوجه العقوق كذلك ظاهرة عيش بعض الكبار في السن داخل غرف فنادق متواضعة بإيجار شهري أو سنوي حسب منسوب الدنانير داخل جيوبهم هربا من غضب أو ضرب من كانوا في يوم من الأيام هدايا الحياة .