بوغالي يلتقي بمسقط وزيري النقل والطاقة لسلطنة عمان    لغروس في بسكرة: وضع حجر أساس مشروع إنجاز محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية    الإحصاء للعام للفلاحة : تحضيرات حثيثة بولايات جنوب الوطن    الاحتلال الصهيوني يعتقل أكثر من 8430 فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة منذ 7 أكتوبر الماضي    اسبانيا : البرلمان الجهوي لمقاطعة كانتبريا ينظم معرضا للصور للتعريف بنضال المرأة الصحراوية    مسؤول أممي: نشعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية في غزة    الخطوط الجوية الجزائرية : عرض جديد موجه للعائلات الجزائرية في العطلة الصيفية    أرمينيا وأذربيجان تعلنان عن بدء عملية تحديد الإحداثيات لترسيم الحدود بينهما    موسم الحج 2024: يوم تحسيسي لفائدة البعثة الطبية المرافقة للحجاج    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    فرصة جديدة لحياة صحية    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يتحادث مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بالمدية    لعقاب: ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات التي تواجهها الجزائر    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الصهاينة يستبيحون الأقصى    "التاس" ملاذ الفاف وسوسطارة: الكاف تدفع لتدويل قضية القمصان رغم وضوح القانون    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    فيما انهزم شباب ميلة أمام الأهلي المصري: أمل سكيكدة يفوز على أولمبي عنابة في البطولة الإفريقية لكرة اليد    دورة اتحاد شمال افريقيا (أقل من 17سنة): المنتخب الجزائري يتعادل أمام تونس (1-1)    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    سطيف: تحرير شاب عشريني اختطف بعين آزال    مرشح لاحتضان منافسات دولية مستقبلا: تحفّظات حول دراسة لترميم مركب بوثلجة في سكيكدة    للقضاء على النقاط السوداء ومنعرجات الموت: إطلاق أشغال ازدواجية الوطني 45 بالبرج قريبا    رئيس الجمهورية يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته بتونس في الاجتماع التشاوري    زيارة موجهة لفائدة وسائل الإعلام الوطنية    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    المكتبات الرقمية.. هل أصبحت بديلا للمكتبات التقليدية؟    انطلاق الحفريات بموقعين أثريين في معسكر    نحو تعميم الدفع الآني والمؤجّل    صعلكة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    سنقضي على الحملة الشرسة ضد الأنسولين المحلي    بنود جديدة في مشاريع القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    على راسها رابطة كرة القدم و الأندية الجزائرية: حملة مسعورة وممنهجة .. العائلة الكروية الجزائرية تساند اتحاد الجزائر ضد استفزازات نظام" المخزن "    سطيف تنهي مخططاتها الوقائية    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    رئيس بشكتاش يلمح لإمكانية بقاء غزال الموسم المقبل    تمديد اكتتاب التصريحات لدى الضرائب إلى 2 جوان    بعثة برلمانية استعلامية بولاية النعامة    إقبال كبير على الأيام الإعلامية حول الحرس الجمهوري    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    تنظيم الطبعة الرابعة لجائزة إفريقيا "سيبسا اينوف"    "طوفان الأقصى" يطيح بقائد الاستخبارات الصهيوني    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    248 مشروع تنموي يجري تجسيدها بالعاصمة    حملة واسعة للقضاء على التجارة الفوضوية ببراقي    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن بيلا وبومدين ضيفان على الجمهورية
جمهورية واسيني الثانية
نشر في الجمهورية يوم 21 - 01 - 2019


نحن في يوم 18 جوان 1977 في قاعة التحرير بجريدة الجمهورية للحديث عما حدث لابن بيلا والكتابة عته. لا يمكن أن ذكرى التصحيح الثوري 19 جوان الثانية عشرة، دون الكتابة عنها . كان الوضع حادا خلقته فكرة الكتابة عن هذا التصحيح أو الانقلاب. كان النقاش مفيدا بالنسبة لشخص مثلي. الخلاف كان بين تصورين: هل ما قام به الهواري بومدين وقتها كان انقلابا أم تصحيحا ثوريا. شيئا فشيئا ارتسم فريقان مختلفان كليا. فريق مع فكرة أن ما حدث تصحيح ثوري. ويرون أن الحكم الفردي الذي تطور في الجزائر كان سيقود إلى الطغيان وكان لابد من فعل شيء. ابن بيلا، كما يرون، لم يكن يقبل بأي شيء وبأي نقد. وكان متفردا في الحكم. وما قام به وزير دفاعه الهواري بومدين لم يكن إلا استجابة لمطلب الجماهير. وكنت في أعماقي أتساءل، دون أن أفصح بذلك، هل طلب الحكام من الجماهير رأيها فيما حدث؟ أمي بكت على بن بيلا. فهي كانت تغني عن بطولاته في الصف وكان صوتها جميلا وحنونا. أتذكر أني رأيت لاحقا في الأحداث المصورة التي كانت تبث قبل عرض الأفلام في صالات السينما، بومدين وهو يستعمل في الإعلان عن التصحيح الثوري؟ كلمة «الطاغية» على حكم بن بيلا. مما يدل أن المسألة تتجاوز التصحيح الثوري وأن في العمق توجد أشياء لم تكن جميلة. وفريق محدود عدديا من الصحفيين كان على رأسه الصحفي ذو الشعر الأبيض، مع فكرة أن ما حدث ليس إلا انقلابا خطيرا بماكياج ثوري. لأن الوقائع تبين ذلك. وكان يمكن تصحيح الأمر بطريقة أخرى ثم ما مبرر سجن رئيس جمهورية إلى اليوم وهو لم يتهم رسميا بأي شيء. كان الخلاف حادا بين الفريقين. أنهى الرجل ذو الشعر الأبيض كلامه بجملة هاربة اتضح فيما بعد أنها كانت حقيقية: على كل حال نقاشنا جيد لكن لن يظهر في الجريدة إلا ما يسير في الخط العام: التصحيح الثوري. عندما سأله أحد الصحفيين: إذن أنت بنبليست. يعني من أنصار بن بيلا. وكانت الكلمة وحدها تكفي بأن تقود صاحبها إلى السجن. قال: إذا كانت كلمة بنبليست تعني أن ما حدث كان انقلابا ضد رئيس منتخب. فأنا بنبليست. المشكلة أكبر وأعظم. تجربة الحكم في الجزائر جديدة وكان يمكن الاتفاق على قواعد للخروج من الشعبوية. ولكن العنف العسكري سيضع الحكم مستقبلا في يد من يملك القوة وليس من يملك الثقافة ويناصر الديمقراطية. لم يخطئ الرجل أبدا. وكنت قد أنهيت ترجمة مقالة لصحفي كان قد سلمها لي رئيس التحرير تشيد بخصال بومدين واستماتته في الحفاظ على وحدة البلاد. وأن تصحيحه جلب الخير للجزائر التي كانت على حافة الانزلاق نحو الدكتاتورية. ترجمت المقالة وأنا أحس بمغص. فاضت صوري الطفولية في ذاكرتي لدرجة الألم. يوم الانقلاب كان عمري 11 سنة. ورأيت كيف بكت أمي وهي تردد: حبسوا حميميد. حبسوا حميميد، عندما سمعت بأن بن بيلا قد سجن. وأنا أيضا حزنت لا لشيء فقط لأنهم سجنوا شخصا مر على قريتنا في سيارة مكشوفة ذات صيف، وكنا انتظرناه مع معلمنا كل الصبيحة بلا جدوى حتى ضربتنا الشمس على الدماغ. وقتها نبهنا المعلم بأن الرئيس قد وصل أخيرا. فرفعنا الإعلام الورقية عاليا بالصراخ: تحيى الجزائر وبن بيلا، تحيى الجزائر وبن بيلا. وعدت للدار يومها سعيدا مع قليل من الخيبة لان الرئيس مر دون أن يصافحنا كما وعدنا المعلم. ضحك صاحب الشعر الأبيض وهو يردد: ومع ذلك فهو انقلاب. ثم سحبني وراءه لأقرب مقهى كان يرتاده وكنت أرافقه من حين لآخر. هذه المرة عاد بعد أن ظننت انه غادر المكان نهائيا. أو طرد. وكنت أعرف أن من يطرد عادة، يكون ذلك بسبب احتمالين، إما لسبب سياسي، أي أن الشخص أدخل أنفه في خميرة سرية تكونت عبر زمن، ممنوع عليه أن يشم عفنها، أو يقترب منها، أو لسبب قسري لا نعرف سره إلا عندما تصل الأخبار المتفرقة النادرة، ونكتشف بأن الشخص سجن لسبب وقائي. وكنت دائما أتساءل الوقاية ممّا وممّن؟ حمل الصحفي ذو الشعر الأبيض التيرمو ونزلنا للطابق الأرضي، وكان خاليا. رفع رأسه. نظر قليلا وقال. غريب مكان جميل. بناه صاحبه المعمر، بشكل أنيق ليكون مقرا اجريدة أصداء وهران les Echos d'Oran. ماذا بقي من المكان القديم الذي كان به مقهى ومطعم داخلي، وغرف لصحفيي الجريدة. اليوم هذا الميراث استولى عليه السكان المحيطون ولم تبق للجريدة إلا أمكنة صغيرة. قاعة التحرير ومكان تهييء الجريدة تقنيا، والأرشيف، والمدخل الرئيسي. وكأن البقية كانت عبارة عن زوائد يجب أن التخلص منها. فجأ رأينا ظل رجل معروف في الجريدة بتخطى الباب ويأتي نحونا. لا أحد يعرف مهنته. على عينيه نظارتان سوداوان. صبّح علينا. وقال ضاحكا. الحمد لله على السلامة مشددا على حرف السين. ثم التفت نحوي. واش؟ راك تعلم واسيني العصيان المدني؟ وزاد في ضحكته أكثر. ضحكت لكن وجه الرجل ذي الشعر الأبيض ظل باردا كقطعة الثلج. ثم أضاف: اعطني كأس قهوة. أجابه الرجل ذو الشعر الأبيض: للأسف وصلتَ متأخرا. شربناها كلها. ثم سحبني من يدي وخرجنا نحو مقهى الدرب؟ الشعبي وهو يتمتم: يا لطيف في كل مكان. شيء في أعماقي كان يشغلني بقوة. كنت أريد أن أقول له الحمد لله على السلامة. لكن صاحب النظارة السوداء لم يترك لي فرصة. وضع التيرمو وقال للقهوجي. كأس قهوة كبير لي. وكأس ماء، وشاي لواسيني. عندما جاءنا النادل بالقهوة. أخذ كأس الماء فشربه. وملأه بالقهوة التي كانت معه في التيرمو. عادته الدائمة. قال: الله غالب. هذه قهوتي أعدها بيدي وقلبي وحواسي. كان الضجيج كبيرا. قلت له عمي... غيبة طويلة. أجاب جادا. نعم والسبب ذبابة. ضحكت ولم أصدق. لم أفهم جيدا. لم يتركني في حيرتي طويلا. التفتَ إلى اليمين. ثم التفتَ إلى الشمال. قال اسمع. كتبت مقاله رفضت في قسم التحرير، وهذا متعود عليه. السبب كنت أعرفه أيضا. تساءلت مثل طفل: ولكن ما علاقة الذبابة بكل هذا؟ قال بعد أن التفت ثانية يمينا وشمالا. قصة طويلة أرويها لك. تعرف يا واسيني، المقاومة فعل غريب. قد يتعلق الإنسان بأي شيء حتى بقشة عندما تستيقظ فيه قواه النائمة في اللحظات الأكثر يأسا وقسوة وتدرك أن الذي سجنك لا يريد قتلك، ولكن تجنينك لي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.