إذا كان صدر جريدة الجمهورية رحبا - كما أسلفت القول - مثل قلب أمّ رؤوم، قد احتضن صحفيين كثرا ذوي أقلام إعلامية كبيرة وذلك قبل تعريبها ثم من بعده، مثل بشير رزوق، وخاباطو والنمس ومحمد عوان وعبد القادر جمعي وبن حمادي و محمد عباسة، و عبد الملك واسطي، وغيرهم، ثم أشرعت أبواب القسم الثقافي منها أمام وجه الإبداع والثقافة وإنتاج الأفكار، القسم الثقافي الذي تداول على إعداده خيرة أبنائها مثل الإعلامي محمد بلعالية، ثم الروائي و الإعلامي والمسرحي بوزيان بن عاشور المدير العام الحالي للجريدة، ثم الروائي أمين الزاوي، ثم ميموني عبد القادر ، وإذا كانت الجمهورية تعتمد بالأساس في تميزها وحتى الآن على الجانب الثقافي والفكري بإصدار مبكر لملاحق أدبية وفكرية كملحق (أوراق الخميس) الذي أعده وأشرف عليه الأديب و الجامعي المرحوم عمار بلحسن رافقه في ذلك الجامعي المحامي حمزة الزاوي، ثم لا أحد يتناول تاريخ الجمهورية بالبحث دون أن يخصص حيزا مهما ل (النادي الأدبي) الذي أشرف عليه الإعلامي و الكاتب بلقاسم بن عبد الله معية القاص و الروائي الحبيب السائح، ثم لاحقا معية الأديبة الرائعة أم سهام (عمارية بلال)، هذا الملحق الذي يشبه طائر الفينقس قد عاد مجددا بإشراف الإعلامية عالية بوخاري، ثم لا أحد ينسى تجربة ملحق (الجمهورية الأسبوعية(، الذي أشرف عليه لسنوات الصحفي المتميز محمد نيار بمساعدة الشاعر الفيلسوف كريم بن يمينة. سيكون من الجحود نسيان جهوده وجهود أسماء من الشباب إناثا وذكورا، ساهموا في الإقلاع الثقافي للجمهورية. وبجهود الجميع وتضحياتهم وعقولهم النيرة أصبحت الجمهورية آنذاك منبرا عاليا لنقاش الكتاب المعروفين آنذاك وجدالهم حول قضايا ثقافية كرشيد بوجدرة، و أدونيس، وزهور ونيسي أبو القاسم سعد الله، و أحمد حمدي، و عبد الله حمادي، و محمد زتيلي، ومحمد بنيس، وآخرين كثر. ولأن الجمهورية كانت دائما تصر أن تكون عادلة بين أبنائها المبدعين، بكل أشكال ريشاتهم، فلم تبخل بصفحاتها المضيئة على الفنانين في فن الكاريكاتور، فقد استطاع رسامو الكاريكاتور بالجمهورية الطيب عراب، ومحمد حنكور، و طاووش، أن يشكلوا جسرا ولحمة حقيقية ما بين الصوت الأدبي و بين الإعلام، ما بين الكتاب وبين الجريدة، فقد كان قراء الجمهورية ينتظرون توقيعاتهم الكاريكاتورية المذهلة مع كل عدد جديد يقتنونه كل يوم. وليس بجديد على جريدة الجمهورية فمن من جيلنا لا يتذكر إبداعات الكاريكاتوري سليم في ( بوزيد وزينة) و التي لطالما فتنت الوهرانيين، الذين لم يعودوا يتهافتون كما كانوا من قبله على كتب Bd على غرار بليك لوروك و ميكي لورونجي وغيرها . فقد أصبحت شخصية بوزيد الكاريكاتورية تمثل البطل المحلي الذي جعله المبدع سليم يتكلم بلسان الجزائريين بكل عفوية و صدق و خصوصية محلية نادرة. ثم إنني مازلت أذكر واحدا من أجمل معارض الفنان الكاريكاتوري المبدع (الطيب عراب(، الذي اختفت أخباره عنا بعد أن هاجر إلى فرنسا. إنه واحد من أذكي فناني الكاريكاتور السياسي في جزائر السبعينات، ذلك المعرض الذي أقامه بنادي الطلبة بجامعة السانيا، وكانت لوحته المسماة «الرجعية» مثيرة لنا نحن الطلبة، بحيث صور فيها رجُلا يسير في اتجاه، إلا أن أثر خطواته على الأرض يظهِر عكس اتجاه السير.. نعم! مازلت أذكر أن هذه اللوحة كانت واحدة من الأعمال التي جعلتني أهتم لاحقا بتجربة الفنان الطيب عراب، حتى صدور عمله المتميز عن مسيرته الطويلة في كتاب، أشرفت عليه زوجته و رفيقة حياته «هارلت»، وقد صدر الكتاب في حلة جميلة تليق بمقام هذا المبدع المدهش في فنه وفي إنسانيته ؛ كان ذلك بمناسبة سنة الجزائر عاصمة للثقافة العربية العام 2007. كما أن الفنان الرقيق محمد حنكور الذي اختفى هو الآخر للعيش في مدينة فرنسية، كان ذَا حضور متميز في صياغة العلاقة بين الأدب و الفن التشكيلي، بنفَس أقرب إلى التعبيرات الفلسفية الوجودية منه إلى التبسيط السياسي الأيديولوجي، فقد كان يرافق رواية «اللاز، العشق والموت في الزمن الحراشي» للطاهر وطار التي نشرتها الجمهورية مسلسلة على صفحاتها الثقافية، و يعود الفضل للفنان حنكور في تجسيد، و لأول مرة، صورة أسطورية لشخصية اللاز بطل رواية ( اللاز بجزئيه)، وكم كان الطاهر وطار سعيدا و مبتهجا بهذا التجسيد الفني التشكيلي لشخصيته الروائية، التي أضحت إشكالية في الخطاب الأدبي الجزائري و العربي؛ و سأحدثكم في حلقة قادمة عن حكاية الروائي الطاهر وطار و الكاريكاتوري محمد حنكور في هذه التجربة الفريدة. وأما عن تجربتي مع لوحات الفنان محمد حنكور التي أنجزها خصيصا لديواني الشعري الأول «تضاريس لوجه باريسي» الذي نشرته دار الكرمل بدمشق، فهي حكاية تورط جميل لجريدة الجمهورية في مرافقتها لتجربتي الأدبية..حكاية سأرويها لكم لاحقا.