التقليد الأعمى والأغبى يضر ولا ينفع ويشوه شخصية المقلد عن غير علم ودراية وبدون وعي ورشاد سواء تعلق ذلك بلسانه أو بلباسه وسلوكه ويزيده تخلفا وتبعية لغيره وقد انتبه ابن المقفع في كتابه (كليلة ودمنة إلى سوء عاقبة المقلد لغيره الذي يكلف نفسه مالا تطيق وأورد في حكاية الناسك والضيف أنه كان بأرض الكرخ ناسك عابد مجتهد فنزل به ضيف ذات يوم فدعا له بتمر فأكل منه ثم قال الضيف ما أحلى هذا التمر وأطيبه فليس هو في بلادي فأرى أن تساعدني لأغرسه في أرضنا فقال له الناسك ليس لك في ذلك راحة ولعله لا يوافق أرضكم التي لا تحتاج إليه لكثرة ثمارها وكان الناسك يتكلم بلغة مغايرة، فاستحسن الضيف كلامه وأعجبه فتكلف أن يتعلمه وعالج في ذلك نفسه أياما فقال له الناسك ما اخلق كان تقع مما تركت من كلامك وتكلفت من كلام تلك اللغة في مثل ما وقع فيه الغراب الذي رأى حجلة تدرج وتمشي فأعجبته مشيتها فطمع أن يتعلمها فراض على ذلك نفسه فلم يقدر على أحكامها ويئس منها وأراد أن يعود إلى مشيته التي كان عليها فاختلط مشيته وصار أقبح الطير مشيا. فما أشبه المقلدين بهذا الغراب الذين يجلبون أشياء لا يحتاجونها ويرطنون بلغة الغير ويتركون لغتهم ليصيروا مسخرة.