النظام الديمقراطي المبني على التعددية الحزبية واستقلالية الصحافة وحرية الرأي والتعبير وفصل السلطات يسمح للمعارضة بالعمل والنشاط وإبداء مواقفها تجاه قضايا الوطن وانتقاد الحكومة والمنافسة من أجل الوصول إلى السلطة عن طريق انتخابات نزيهة وشفافة حيث يتم القبول بالتداول على الحكم فيكون التجديد في الرجال و البرامج والأفكار للاستجابة لمطالب المجتمع في مختلف المجالات والتصدي للمشاكل والقضايا المطروحة ومعالجتها بحكمة وتبصر بعيدا عن البيروقراطية والتسلط والفساد فيحدث التطور والتقدم وينعم الشعب بالخير والهناء وتسود الطمأنينة والهدوء والاستقرار . فالمعارضة السياسية في الدول الحرة جزء من النظام وليست خصما له يتربص أنها البديل الممكن والمطلوب عندما يحدث الخلل في تسيير شؤون الدولة وليست انقلابا عليها لقد مرت ثلاثون سنة كاملة على دخول بلادنا عصر الديمقراطية والتعدية الحزبية والصحافة المستقلة ومنظمات المجتمع المدني والتخلي عن نظام الحزب الواحد وذلك بعد صدور دستور 23 فبراير 1989الذي فتح الباب واسعا على إنشاء الأحزاب والجرائد والجمعيات وجرت انتخابات تعددية سنة 1990 عندنا لأول مرة للمجالس الشعبية البلدية والولائية فازت فيها المعارضة بالأغلبية ثم تلتها الانتخابات التشريعية في ديسمبر 1991وفاز بأغلبية مقاعدها الحزب المحظور فتم في جانفي 92 توقيف المسار الانتخابي واستقالة أو إقالة الرئيس الشادلي بن جديد وحل المجلس الشعبي الوطني وإحداث فراغ قانوني في السلطة فأعلنت حالة الطوارئ وعلق العمل بالدستور الذي كان يخول رئيس الجمهورية إقالة الحكومة وحل البرلمان ودخلنا في العشرية السوداء وبدأ التشديد على الأحزاب بمنعها من استعمال الثوابت الوطنية مثل الإسلام واللغة فاضطرت بعض الأحزاب إلى تغيير أسمائها للتكيف مع القانون كحركة النهضة الإسلامية وحركة المجتمع الإسلامي والجزائر الإسلامية المعاصرة لتتحول إلى حركة النهضة وحركة مجتمع السلم واختفت حركة الجزائرالاسلامية المعاصرة كما اختفت الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر للرئيس الراحل أحمد بن بلة... على الأحزاب والمنظمات التي رفضت الدخول في الصف بداية بتلك الموقعة على وثيقة العقد الوطني في روما أو عقد سانت ايجيديو في جانفي 1995الذي كان يدعو إلى السلم والمصالحة فاتهمت بالخيانة وأطيح بالمجاهد عبد الحميد مهري الأمين العام لجبهة التحرير الوطني وإرجاع الحزب العتيد إلى بيت الطاعة ومست التغييرات أحزابا أخرى كالنهضة والإصلاح لمطاردة الشيخ عبد جاب الله والإطاحة به بواسطة زملائه وخرج عبد المجيد مناصرة وعمار غول عن حركة مجتمع السلم فأسس كل منهما حزبه الخاص به وأزيح الطاهر بن بعيبش من منظمة أبناء الشهداء وتعرضت شخصيات ذات الوزن ثقيل إلى التهميش والإبعاد لاذت بالصمت المريب كمولود حمروش واحمد بن بيتور و سيد احمد غزالي ومقداد سيفي وعلي بن فليس الذي حاول انشاء حزب طلائع الحريات وحاول الترشح للرئاسيات ثم تراجع وانضم الى المعارضة وحراك الشارع . فالعملية السياسية عندنا تخضع لشروط وعوامل تحد من حركتها وتنقص من فعاليتها وتأثيرها فالاجتماعات والتجمعات واللقاءات والتظاهرات الحزبية تخضع لترخيص مسبق والتظاهر في الجزائر العاصمة ظل ممنوعا لسنوات ووسائل الإعلام العمومية مغلقة في وجه المعارضين الحقيقيين أما الخاصة فتختار زبائنها أما المنظمات التي كانت تابعة لجبهة التحرير الوطني في عهد الحزب الواحد فمازالت تحلب في إناء السلطة ورهن إشارتها ولا تغيير في قياداتها شبه الدائمة أو أفكارها وأسلوب عملها فهي ملتصقة بالسلطة منقطعة عن قواعدها الشعبية أما النقابات المستقلة فمنشغلة بالمطالب المهنية لأعضائها والاحتجاج والتلويح بالإضراب ولا تختلف عن سابقتها إلا بالصوت العالي وهي تثير الشارع بتصرفاتها دون أن تؤثر فيه فالتعبئة الجماهيرية غائبة ولا دور للأحزاب والمنظمات فيها وقد جاء التحرك الحالي السلمي المتمثل في المسيرات التي بدأت يوم 22 فبراير الماضي نتيجة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك حيث يتم توجيه الدعوات وإعطاء التعليمات مباشرة للمواطنين دون المرور على أحزاب المعارضة أو الموالاة التي كان من المفروض تشكل حلقة الربط أو همزة الوصل بين السلطة والشعب وهذه نتيجة إضعاف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والتقليل من دورها في توجيه وتأطير الشعب