جدلية المُثقف والسّياسة منذ القدم يسودها نوع من التّناقض الصّارخ، فإما انغماس في العمل السّياسي، وإما عزوفا تاما، ويبدو أن العزوفَ هو سيد الموقف في الوقت الراهن، عكس القرون الماضية. يوجد شبه إجماع على أن المثقفَ عموما لا ينخرط في الحراك السّياسي إلا متأخرا، ويظل دوما في الهامش بعيدا عن القرار السياسي، أو على الأقل بعيدا عن تأطير الحراك الشعبي سياسيا، ومرد هذا العزوف أن السلطة في العالم العربي عَمدت منذ عصر النهضة إلى تغييب المثقف وتقزيمه، أو تعمل على تدجينه من خلال تكليفه بمناصب سياسية لا تمكنه من صنع القرار السّياسي أو المساهمة في الإصلاح السّياسي، ومن ناحية أخرى أن بعض المثقفين حين يتمتعون بمناصب سياسية يتصرفون تصرف السلطة ذاتها، وهي ميزة نلاحظها في جل الدول العربية. هناك شرخ كبير بين الشعب والمثقف، فالمثقف لازال يعيش في عالمه السّحري، بينما الشّعب برهن على أنه أكثر واقعية وحركية من المثقف. تبين الأحداث الأخيرة في الجزائر بأن المثقف كان آخر من ينخرط في الأحداث، ولعل حساباته وتحليلاته دوما تجعله، لا ينخرط في مغامرة مجهولة النتائج، لكنه بمجرد أن رأى الشارع يتحرك بقوة استدرك وبادر، وقد قيل: « أن تَصل مُتأخرا أفضل من ألا تصل أبدا.» دور المثقف في الإصلاح السياسي ضروري جدا، فالتنظير والنقد والاستشراف مهم لوضع الأسس الصلبة لكل مبادرة إصلاحية، فالإصلاح ليس قرارا سياسيا كما تروج له السلطة بل الإصلاح هو لحظة وعي ونظر، كان أرسطو منذ القدم يقول لا يهم من يجلس في الكرسي لكن يهم من يفكر له، والأمر ذاته نراه عند ابن رشد حين اعتبر أن السياسة يصنعها المفكر ويمارسها السياسي. ونقول في الختام، بأن أي إصلاح سياسي لا تشارك فيه النخب المُثقفة يكون مآله الفشل الذريع، فالسياسي يجب أن يُدرك جيدا أنه مجرد منفذ وليس منظرا.