هذا عصر جديد بأفكاره وأدواته وتقنياته ووسائل اتصاله الذكية الناقلة للأخبار والأفكار و والعابرة للحدود القاطعة للمسافات البعيدة بسرعة البرق لا تتعثر ولا تتأخر لتصل إلى ملايين البشر في لمح البصر وها هو العالم الافتراضي يهيمن على حياة الناس ليتحول الى واقع ثان لهم يقضون فيه الساعات يتابعون ما يستجد في العالم من أحداث ويتبادلونها بينهم ويعلقون عليها ويقرأون ويدونون في حرية مطلقة بعيدا عن أعين الرقابة ومقصها وهكذا يتكون الرأي والرأي المضاد وتتحول مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر والواتساب وانستاغرام الى منابر للكلمة ونوادي تجمع الشباب من مختلف الأجناس والدول لتكوين مجموعات وأفواج وربط صداقات بينهم افتراضية تتحول أحيانا الى صداقات فعلية وعلاقات دائمة فيمتزج الواقع بالخيال في تزاوج فتشتد العواطف وتكبر الأحلام ويزداد الطموح والرغبة في النهوض والتطور واثبات الذات فالشباب قوة متحركة وعاطفة جياشة وحركة ونشاط يرفض الجمود والتحجر وفرض الوصاية الأبوية التي تتعامل معه كأنه قاصر أو سفيه وتضعه في الدنيا في المجتمع ومن هناك يكون التحرك المضاد ورد الفعل الذي يكون سلبيا في الغالب نتيجة الكبت والإحساس بالظلم والتهميش والحقرة (...). لقد انتقل حديث الغضب لدى الشباب من المقاهي والأرصفة إلى ملاعب كرة القدم حيث كان يراد له أن يتلهى ويتسلى ويعيش في غفلة من أمره فتحولت الملاعب إلى منابر تهتف بآلاف الحناجر لا للتهميش لا للحقرة وتتحول تلك الأهازيج الحزينة إلى الفيسبوك وتسري في العقول سريان النار في الهشيم تضاف إليها أغاني( الراب ) وتغذيها تصريحات المسؤولين المستفزة لمشاعر المواطنين والفضائح الكبيرة من اختلاسات وامتيازات وتزوير الانتخابات والرشوة وتهريب للعملة واستيلاء العقارات والغش والنهب ورفع الأسعار وغلاء المعيشة وتآكل احتياطي الصرف وحديث الألف مليار التي أنفقت دون أن تحرك قطار التنمية الذي يأبى السير والكثير من التجاوزات في حق الشعب والوطن الذي صار يدفع بخيرة أبنائه نحو الهجرة عبر قوارب الموت رغم كبر مساحته وكثرة ثرواته وإمكانياته المادية والبشرية لقد كانت صيحات الألم تتصاعد ليسمعها من به صمم لكن لا احد استجاب لها فظلت تكبر وتشتد كلما وقعت حادثة تغذيها الاخباروالصور والتصريحات عبر الانترنت وكان لابد أن يحدث الانفجار وتتحرك الجموع في مسيرات بالملايين مطالبة بالتغيير والتجديد والتطوير والرحيل أيضا لأولئك الذين أهانوا الشعب واستضعفوه واستصغروه ولم يأخذوا من التاريخ الدروس والعبر فالهدوء يسبق العاصفة لقد ظنوا أن اشغال الناس بكرة القدم وأغاني (الراي )والبرامج التلفزيونية الهابطة والأخبار التافهة والوجوه المستهلكة أو المنحرفة وإضعاف الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة والجمعيات والمنظمات وشراء الذمم والتضييق على النشاط السياسي الذي لا يتم إلا بالحصول على رخصة من الولاية أو وزارة الداخلية لتنظيم مسيرة أو إقامة تجمع حزبي أو عقد لقاء أو ندوة صحفية ومنعت المسيرات في الجزائر العاصمة والاعتصام والاحتجاج والعصا لمن عصى وسط ترويج خطاب سياسي وإعلامي عقيم يتجاهل معطيات واقع مأزوم وجمود على مختلف المستويات متجاهلا أن الكلام الفارغ من المضمون لا يؤكل ولا يشرب كما قال ذلك الأعرابي الجائع قديما وهكذا جاء البديل وفاض الماء من تحت أقدام النائمين على مقولة (كل شيء على ما يرام )وخرج الشعب على حين غفلة منهم ليقضي على الممنوعات ويسترجع كرامته وسيادته وحقه المهضوم متخذا من مواقع التواصل الاجتماعي منبرا له لبث رسائله ومحطة للانطلاق من العالم الافتراضي إلى الميدان وقد مر شهر تقريبا على مسيرات جمعة 22 فبراير المباركة وكل يوم عددها يزداد من أجل جزائر نوفمبر الحقيقية التي ستكون لكل الجزائريين و ليس لفئة أو جهة أو طبقة معينة (...)